فإن (١) وصلنا إلى ما هو حكم (٢) الشاكّ من الأخذ بالبراءة ـ مثلا ـ فهو ، ويكون إذا ذلك الحكم حكما ظاهريا ، وذلك الدليل أصلا وقد يعبّر عنه بالواقعي الثانوي ، وإلاّ فالمرجع ما هو مقرّر بعد ذلك فذلك الحكم ظاهري ثانوي ، وذلك الدليل أصل ثانوي ، إلى أن ينتهي (٣) في المرتبة الرابعة أو الثالثة إلى ما لا يعقل الشكّ فيه كأحد (٤) القضايا البديهية.
وإذ قد عرفت المراد من الدليل الاجتهادي فنقول : إذا وقع التعارض بين الاستصحاب والأدلّة الاجتهادية فتارة : يقع الكلام فيما إذا كان مبنى الاستصحاب على الظنّ ، وأخرى : فيما كان مبناه الأخبار.
فعلى الأوّل لا إشكال في تقديم الأدلّة على الاستصحاب فيما لو كانت مفيدة للقطع ؛ لارتفاع موضوع الاستصحاب بالقطع حقيقة وواقعا ، فلا يعقل الاستصحاب.
وأمّا فيما لم تكن (٥) مفيدة للقطع فإن قلنا باعتبار الاستصحاب من حيث الظنّ ولو نوعا ، كما استظهرناه من مذاق القدماء من القوم (٦) ، فلا شكّ أيضا في تقديم الأدلّة الاجتهادية على الاستصحاب ؛ لأنّ المدرك فيه هو بناء العقلاء وليس بناؤهم على الأخذ بالحالة السابقة في قبال الدليل القاضي بارتفاعها ، ولعلّ السرّ في ذلك عدم بقاء استعداده لإفادة الظنّ ، ويكون ملحقا بأخبار المجانين ـ مثلا ـ في عدم استعداده لإفادة الظنّ النوعي ، فليس عدم إفادته الظنّ من حيث وجود المعارض والمصادمة كما في تعارض الأخبار مثلا ؛ لأنّ المنساق من كلمات بعضهم على ما نبّهنا عليه فيما تقدّم (٧) أنّ عدم الظنّ على الخلاف وعدم الدليل مأخوذ في ماهيّة الاستصحاب ، ويزيد ذلك وضوحا فيما لو انتفى الظنّ من غير جهة المعارضة بواسطة الموهنات (٨) الأخر.
__________________
(١) « ج ، م » : وإن.
(٢) « م » : ـ حكم.
(٣) « ج ، م » : ينهى.
(٤) « ز ، ك » : كأخذ.
(٥) في النسخ : لم يكن.
(٦) « ج ، م » : ـ من القوم.
(٧) انظر ص ٧٨.
(٨) « ز ، ك » : الأمارات.