ألقى السمع وهو سديد السليقة ومستقيم الطبيعة.
الثانية : قد عرفت في بعض ما قدّمناه من مباحث الظنّ أنّ معنى جعل الشيء طريقا فيما يحتاج إلى الجعل ـ كالظنّ وما يشاركه في اشتماله على احتمال عدم المطابقة للواقع ممّا يكون أصل مفاده مع قطع النظر عن حجّيته (١) كاشفا عن الواقع حاكيا له ناظرا إلى ما في نفس الأمر مطابقا للواقع بحسب أصل مفاده وإن احتمل الخلاف أيضا عقلا (٢) ولو احتمالا مساويا ـ ليس ما قد يظهر من بعض الأفاضل أنّ ذلك الشيء يكون من الأسباب الشرعية كالزوال ـ مثلا ـ للصلاة حتّى يكون معنى اعتبار البيّنة أو خبر الواحد أنّه إذا أقيمت البيّنة على كذا يجب كذا ، وإذا ورد خبر مدلوله كذا يجب الأخذ به مثلا ، كما في غيرها من الأسباب الشرعية التي هي معرّفات للأحكام.
بل التحقيق أنّ معناه جعلها مرآة عن الواقع وطريقا إليها تنزيلا لما ليس من العلم منزلة العلم ، فيترتّب عليه الآثار التي تترتّب (٣) على المعلوم ممّا كان العلم طريقا إليها ، تنزيلا لاحتمال الكذب المتطرّق في البيّنة منزلة العدم ، فلا بدّ من طرح الأحكام الشرعية المترتّبة على الاحتمال والشكّ ، والأخذ بالأحكام التي تلحق (٤) المعلوم ممّا يكون العلم طريقا إليها ، ويجب الأخذ بقوله وتصديقه والاعتراف بمطابقته للواقع والإذعان بحقّية خبره والاعتقاد بصدق كلامه وعدم الاعتناء (٥) باحتمال الكذب وعدم المطابقة في كلامه ، وحيث إنّ الأمر بالتصديق والاعتقاد بالمطابقة بعد وجود الشكّ (٦) وجدانا ممّا لا يعقل فلا جرم يؤول المعنى إلى إلغاء أحكام الشكّ (٧) ، فتقع الأدلّة الدالّة على الحجّية في تلك الأمارات مفسّرة للشكّ الواقع في أدلّة الأصول ، وهذا هو المراد
__________________
(١) « ز ، ك » : صحّته.
(٢) « ز ، ك » : فعلا.
(٣) في النسخ : يترتّب.
(٤) « ز ، ك » : يلحق.
(٥) « ز ، ك » : الاعتداد.
(٦) « ز ، ك » : شكّ.
(٧) « ز ، ك » : الأحكام المترتّبة على الشكّ.