إحراز الواقع في نفسه مع قطع النظر عن (١) الشرع أيضا ، فلم يكن ذلك بوضع الشارع حتّى يرتفع برفعه ، فلو قامت البيّنة على تعيين جهة القبلة بين الجهات المحتملة فغاية ما يستفاد منها هو رفع الوجوب الناشئ من عدم البيان بعد ثبوت التكليف ، وأمّا حسنه فهو من (٢) آثار حقيقة الشكّ وعدم العلم عقلا ، والعقل قاض به إحرازا للواقع المطلوب ، فهو ثابت حقيقة ، نعم لو تبدّل الشكّ علما ارتفع الحسن أيضا بارتفاع محلّه كما هو ظاهر.
وبالجملة (٣) : فجعل الشيء علما غير العلم واقعا ، فأحكام العلم واقعا غير مترتّب على ما ليس بعلم واقعا.
فإن قلت : لازم ما ذكرت عدم ارتفاع وجوب الاحتياط أيضا ، فإنّ وجوبه أيضا من الأحكام العقلية فإنّ العقل خوفا من وقوع النفس في الضرر المحتمل يحكم بوجوب الاحتياط كما عرفت في موارده ، بل اللازم عدم ارتفاع البراءة أيضا فإنّها أيضا حكم عقلي فلا يرتفع كما في حسن الاحتياط.
قلت : كم من فرق بينهما ، فإنّ حكم العقل بوجوب الاحتياط إنّما هو بواسطة عدم البيان على وجه تؤمن (٤) النفس من وقوعها في الضرر ، و (٥) بعد وجود الدليل والبيان المعتبر يرتفع موضوع الحكم ، بخلاف الحسن فإنّه يحكم به (٦) العقل من حيث عدم وصوله إلى الواقع ، وبعد إقامة الدليل المعتبر هو موجود أيضا ؛ إذ المفروض عدم كونه واقعا في الواقع فيلحقه حكمه واقعا. وبمثله نقول في البراءة كما سيجيء له زيادة تحقيق إن شاء الله.
__________________
(١) « ز ، ك » : من.
(٢) « ز ، ك » : « فمن » بدل : « فهو من ».
(٣) « ج ، م » : فبالجملة.
(٤) في النسخ : يؤمن.
(٥) « ز ، ك » : ـ و.
(٦) « ز ، ك » : ـ به.