وإذ قد تمهدت (١) هاتين المقدّمتين فنقول : إنّ نسبة الأدلّة الاجتهادية إلى الأصول العملية نسبة المفسّر إلى المفسّر ، والمبيّن إلى المبيّن ؛ لأنّك قد عرفت أنّ معنى اعتبارها هو إلغاء أحكام الاحتمال التي هي بعينها مفاد الأصول العملية التي منها الاستصحاب ، فإنّ قوله : « لا تنقض » معناه ترتيب أحكام المتيقّن على المشكوك حال الشكّ ، ومفاد قوله : « إذا شهد عندك المسلمون فصدّقهم » (٢) أو آية النبأ هو أنّ المراد والمقصود من الشكّ هو غير الشكّ في الموارد التي يوجد فيها الخبر أو البيّنة (٣) ، فالبيان في هذه الموارد ممّا يشبه التخصيص معنى ؛ لكون المبيّن خاصّا إلاّ أنّه ليس من التخصيص ظاهرا (٤) ؛ لما عرفت من اختلاف وجوه الكلام ، فإنّ قولك : أردت الإنسان ، بعد الأمر بإكرام الحيوان ليس من التخصيص ظاهرا ؛ لعدم تعرّض المخصّص بلفظه لمفاد العامّ كما عرفت في المقدّمة الأولى (٥) وإن كان في معناه ، ولهذا لا يناقضه إلاّ أنّه كما عرفت من أخفى أفراد البيان.
ولذا قد التبس الأمر في ذلك على بعض الأعيان فزعم أنّ بعد ورود الأدلّة الاجتهادية يرتفع موضوع الاستصحاب حقيقة (٦) ، وغفل عن وجود الشكّ الواقعي حسّا (٧) في موارد الاستصحاب ، فلا يتحقّق الورود ، فإنّ المتبادر من الأخبار هو اتّحاد مورد اليقين والشكّ والمفروض أنّ متعلّق الشكّ هو الحكم الواقعي ، ولا يجدي في رفع ذلك اليقين بالحكم الظاهري ، فإنّ اليقين بشيء غير اليقين باعتبار شيء فيه ، والموجب للورود هو الأوّل دون الثاني ، ولا ملازمة بينهما (٨) كما أشرنا إليه سابقا أيضا (٩).
وكذلك قد اختفى الأمر على بعض الأفاضل فزعم أنّ موارد الأدلّة الاجتهادية
__________________
(١) « ز ، ك » : عرفت.
(٢) سيأتي في ص ٤٧٤.
(٣) « ز ، ك » : البيّنة أو الخبر.
(٤) « ز ، ك » : في الظاهر.
(٥) قوله : « لعدم تعرّض ... » إلى هنا ورد في « ز ، ك » بعد قوله : « أو الخبر » فيما تقدّم.
(٦) « ز » : قطعا حقيقة ، « ك » : حقيقة قطعا.
(٧) كتب فوقها في نسخة « م » : حتّى ما.
(٨) « ز ، ك » : « هاهنا » بدل : « بينهما ».
(٩) أشار في ص ٤١١ ـ ٤١٢.