يرفع اليقين بالحكم الثابت أوّلا إلاّ باليقين الواقعي ، واليقين بالحكم الظاهري لا يرفع الشكّ بالحكم الواقعي ، فلا يكون واردا رافعا لموضوع الشكّ ، فلا بدّ من التحكيم على ما عرفت.
فإن قلت : إنّه لو حمل اليقين في الأخبار على اليقين بالحكم الواقعي لما صحّ التمسّك بالاستصحاب في موارد الأدلّة الاجتهادية ؛ لعدم اليقين بالحكم الواقعي في أوّل الأمر.
قلت : المستفاد من الأخبار هو عدم جواز نقض اليقين المتعلّق بالحكم بالشكّ المتعلّق بالواقع إلاّ باليقين المتعلّق بالواقع ، فالحكم الثابت أوّلا ممّا لا يلاحظ فيه الواقعية أو الظاهرية ، بل لفظ اليقين هو عبارة عن إدراك جزمي وهو حاصل ولا دخل لمتعلّقه فيه ، وأمّا الشكّ فلا يعقل تعلّقه إلاّ بالحكم الواقعي ، وإلاّ لم يكن الشكّ في البقاء والارتفاع ، بل مرجع الشكّ حينئذ إلى الشكّ في حجّية الدليل الدالّ على الحكم أوّلا.
نعم ، لو كان الشكّ متعلّقا بالحكم الظاهري كأن (١) كان الشكّ في الحجّية فالمشكوك هو بقاء الحجّية (٢) وارتفاعها ، واليقين الثاني كان متعلّقا بحجّيته أيضا ، كان من الورود كما لا يخفى ، وكن على بصيرة من الأمر واحفظ ما ذكرنا من الحكومة فإنّه ينفعك في كثير من مباحث التعادل (٣) والتراجيح.
ثمّ إنّ لنا نوعا آخر من التحكيم وهو أن يكون الدليل دالاّ على أنّ الحكم الفلاني الثابت للموضوع الفلاني الواقعي ثابت لموضوع ظاهري آخر نزّله الشارع منزلة ذلك الموضوع الواقعي ، كما في موارد الاستصحاب الموضوعي بالنسبة إلى الأحكام الشرعية المترتّبة على الموضوعات الواقعية كأحكام الطهارة المترتّبة على المتطهّر الواقعي من جواز الجواز في المسجدين ومسّ كتابة القرآن ، فإنّها مترتّبة على موضوع
__________________
(١) « ز ، ك » : ـ كأن.
(٢) « ز ، ك » : الحجّة.
(٣) « ز ، ك » : من المباحث الآتية في التعادل.