وبالجملة : فالأخبار كثرتها في ذلك ممّا تكفي (١) عن تجشّم تصحيح السند وتوضيح الدلالة ؛ إذ لا إجمال في مفادها بحسب المفردات الواقعة فيها ، ولا بحسب الهيئة الملتئمة من (٢) ملاحظة بعضها إلى الآخر ، إلاّ أنّ الأخذ بعمومها حتّى في الأحكام ممّا لم يذهب إليه وهم ، ولو عمل بأمثال القرعة في الأحكام الشرعية لم يبق منها عين ولا أثر ويصير الفقه علما جديدا لا يشتمل عليه زبر الأوّلين ولا يوجد شيء منه في كتب الآخرين ، ولعلّك (٣) بعد التأمّل في أخبارها تقدر على استخراج ذلك منها أيضا ، إلاّ أنّ الخطب فيه سهل (٤) بعد الإجماع القطعي على التخصيص على تقدير العموم.
وأمّا الأخذ به في الموضوعات فلا إشكال فيه من جهة الدلالة اللفظية ؛ لما عرفت من وضوح الدلالة وسلامة السند ، إلاّ أنّ الواقع أنّ دلالتها موهونة في الموارد التي لم يظهر من الأصحاب التعويل عليه والاتّكال به كما في أمثاله من العمومات الموهونة كأخبار نفي الضرر والحرج ونحوهما ، فإنّه لا ينبغي الاجتراء على مثل هذه الأمور بعد إعراض العلماء الأخيار العارفين بمواقع الكلام والآخذين بمجامع الأخبار.
بل قد يتخيّل في وجه ذلك أنّ موارد القرعة لا يخلو إمّا أن يكون موارد الدليل ، أو لا ، وعلى التقديرين فلا مجال للقرعة فيها ، أمّا على الأوّل فواضح ؛ لارتفاع الاشتباه والتحيّر بواسطة الدليل ، وأمّا على الثاني فلأنّ الأصول العملية لمكان أخصّية أدلّتها بالنسبة إلى القرعة مقدّمة عليها ، إلاّ أنّ ذلك لا يتمّ في التخيير ؛ إذ لا دليل عليه سوى حكم العقل به بعد التحيّر ، وبعد إمكان الترجيح بالقرعة لا يحكم العقل به ؛ لانتفاء مقدّماته.
ولا يخفي أنّ هذا الوجه (٥) لو تمّ فهو يجري (٦) في الأحكام أيضا مع قطع النظر عن
__________________
(١) « ز ، ك » : يكتفي.
(٢) « ز ، ك » : عن.
(٣) « ز ، ك » : فلعلّك.
(٤) « ز » : فيها يسهل.
(٥) « ج ، م » : الوجه هذا.
(٦) « ز ، ك » : « فيجري » بدل « فهو يجري ».