المقام الثالث
في الجهة الثالثة منها ، فنقول : يظهر من عدّهم الاستصحاب في عداد الأدلّة العقلية ـ كما يقال كثيرا : ومن جملة الأدلّة العقلية الاستصحاب ـ اختصاص النزاع بالأحكام ؛ لأنّ الأدلّة العقلية مفسّرة في كلامهم بالأحكام العقلية الموصلة إلى الأحكام الشرعية ، والموضوعات ليست (١) منها ، والاستصحاب فيها ليس (٢) دليلا ، بل هو أمارة كاليد والبيّنة وإن توقّف اعتباره فيها على حكم الشارع ؛ إذ ذلك لا يقضي بكونه دليلا كما في البيّنة ، لأنّ (٣) ما يثبت بها ليس حكما شرعيا ، فإنّ دخول زيد في « من يجب عليه كذا » مثلا ، ليس من الحكم الشرعي (٤) في شيء ، فالحكم الشرعي هو الخطاب المتعلّق بالعنوان الكلّي ، والبيّنة إنّما أقيمت على انطباق ذلك العنوان بالموضوع الخاصّ ، فالثابت (٥) بالاستصحاب فيما إذا كان المستصحب حكما كلّيا شرعيا هو الحكم الكلّي ، وفيما إذا كان موضوعا إنّما هو صغرى لقياس يثبت فيه سريان الحكم الكلّي إليه.
وبالجملة : فقضيّة ذلك خروج الموضوعات عن محلّ النزاع ، ولقد أومأ إلى ذلك أمين الأخبارية في الفوائد المدنية حيث قال : اعلم أنّ للاستصحاب صورتين معتبرتين باتّفاق الأمّة ، ثمّ ترقّى عن ذلك فقال : بل أقول : اعتبارهما من ضروريات الدين ، إحداهما : أنّ الصحابة وغيرهم كانوا يستصحبون ما جاء به نبيّنا صلىاللهعليهوآله إلى أن يجيء ما ينسخه (٦) ، وثانيهما : أنّا نستصحب كلّ أمر من الأمور الشرعية ، مثل كون الرجل مالك أرض ، وكونه زوج امرأة ، وكونه عبد رجل ، وكونه على وضوء ، وكونه
__________________
(١) « ج » : التي ، وفي « م » كانت أوّلا « التي » ثمّ غيّرت بـ « ليست ».
(٢) « ز ، ك ، ل » : ليس فيها.
(٣) « ز ، ك ، ل » : ولأنّ.
(٤) « ل » : من الأحكام الشرعية.
(٥) « ج » : فالذاهب.
(٦) « ز » والمصدر : بنسخه.