والفرق (١) بين احتمالي التساقط والتخيير ظاهر ، أمّا على الأوّل فلا حاجة إلى توضيحه لكن ذلك يتمّ فيما إذا لم نقل بترجيح أحد المتعارضين بالأصل ، وإلاّ فالمقدّم منهما هو الموافق للأصل ، وأمّا على الثاني فلأنّ المراد بالتخيير هو الأخذ بأحد الدليلين شرعا لا الأخذ بمجرّد الاحتمالين عقلا ، ومن هنا يظهر سقوط ما تمسّك به البعض في إثبات التخيير بأنّ نفي الثالث المستفاد من المتعارضين دليل على التخيير ، أمّا أوّلا : فلأنّ المتعارضين لا دلالة فيهما على نفي الثالث على الإطلاق ، وأمّا ثانيا : فلأنّ التخيير المتنازع فيه هو التخيير الشرعي بين المتعارضين دون التخيير العقلي وقد عرفت أنّ ذلك لا دلالة فيه عليه.
وإذ قد عرفت هذا فنقول : قد يقال (٢) بأنّ الأصل في المتعارضين هو التساقط دون الإعمال نظرا إلى أنّ الدليل الدالّ على اعتبار المتعارضين لا يخلو إمّا أن يكون من الأدلّة اللبّية كالإجماع ودليل العقل ، أو من الأدلّة اللفظية ، لا إشكال في التساقط على الأوّل ؛ إذ القدر المعلوم من حجّيتهما هو حال خلوّهما عن المعارض ، وأمّا عند التعارض فيبقى كلّ واحد منهما خاليا عن دليل الاعتبار ، وأمّا على الثاني فإمّا أن يقال بعدم شموله للمتعارضين ، أو يقال بشموله لهما ، أو لأحدهما ، لا سبيل إلى الأخيرين ، فتعيّن (٣) الأوّل وهو المطلوب.
بيان ذلك ـ بعد الغضّ عن القول بعدم انصراف المطلق إلى المتعارضين ـ : أنّ شموله لهما على وجه الوجوب العيني محال عقلا ، وعلى وجه الوجوب التخييري حال التعارض موجب لاستعمال اللفظ في أكثر من معنى ؛ لأنّ قوله : « اعمل بالخبر » مثلا عند عدم التعارض يراد منه الوجوب العيني ، فلو استفيد منه الوجوب التخييري لزم
__________________
(١) « س » : فالفرق.
(٢) قاله السيّد المجاهد في مفاتيح الأصول : ٦٨٣. وسيكرّره مع جوابه في ص ٦٥٣.
(٣) « س » : فيتعيّن.