أحدهما ، وهذا وإن كان غير عزيز في الأحكام الشرعية الظاهرية إلاّ أنّ الالتزام به في الأوامر العرفية مستهجن في النهاية ومستبعد في الغاية ، وذلك بخلاف ما في حكم العامّين من وجه فإنّه لا استبعاد في التخيير بينهما ، مضافا إلى أنّ صلاحية الصرف في العامّين (١) في كلّ واحد منهما بالنسبة إلى الآخر لعلّها أقوى من الصلاحية في غيرهما ، فتدبّر.
هذا هو تمام الكلام في المراتب الثلاثة المتقدّمة ولكنّه مقصور في الأدلّة الناهضة في الأحكام ، وأمّا الجمع بين الأمارات القائمة على الموضوعات الخارجية كما إذا تعارضت البيّنتان فلوجوب الجمع بينهما بالحكم بالتنصيف ونحوه ، وعدمه محلّ آخر يطلب منه (٢) تفصيله.
وأمّا إجماله فنقول : إذا تعارض الأمارتان في حقّ من حقوق الناس فهل يحكم بالتساقط والرجوع إلى أمارة أخرى ، أو يجمع بينهما حيث ما يمكن الجمع بينهما؟ فإذا شهد عندك عدلان بأنّ الملك الفلاني لزيد وشهد آخران بأنّ المشهود عليه لعمرو فهل يحكم بالتنصيف بينهما ، أو لا؟ الظاهر هو الأوّل ، بل عليه جماعة من الفحول (٣) فإنّ فيه إعمالا للأمارتين وتصديقا للبيّنتين في الجملة ، بخلاف القول بالتساقط ؛ إذ لا تصديق فيه أصلا مع أنّه من الأمور الواجبة ، والأخذ بأحدهما بالكلّية تضييع لحقّ الآخر بالكلّية ، ولعلّه يساعده العرف أيضا.
ومن هنا يظهر أنّ الجمع في المقام غير الجمع في الأدلّة ؛ إذ كما عرفت أنّ الجمع هناك عبارة عن صرف أحد الظاهرين بقرينة ظهور الآخر ، بل المراد بالجمع هو التنصيف.
وربّما يقال : إنّ الجمع بهذا الوجه يوجب المخالفة القطعية بالنسبة إلى غير من له الحقّ ، بخلاف الحكم لأحدهما فإنّه يوجب المخالفة الاحتمالية ؛ إذ كما يحتمل أن يكون
__________________
(١) « م » : عامّين.
(٢) « د » : من.
(٣) كالشهيد الثاني في تمهيد القواعد : ٢٨٤ ، قاعدة ٩٧.