الظهور والأخذ بأصالة الحقيقة ما لم يوجد ما يصلح لأن يكون قرينة صارفة للظهور في طرف الأصل ، وأمّا بعد وجود ما يصلح لذلك فالمعهود من طريقة أهل اللسان التي هي المرجع في باب الألفاظ وكشف القناع عن وجوه المرادات هو الأخذ بذلك ، ولا غائلة في ذلك بوجه ، إنّما الكلام في تميّز موارده وتشخيص الصغريات ، وهو في غاية الإشكال ؛ إذ ما من أمر يرجع فيه إلى العرف إلاّ وفيه أمور خفيّة لا يكاد يطمئنّ الناظر في إلحاقها بأحد الطرفين ، فيلحق بالمجملات لمكان التردّد فيها ، ومع ذلك فقد تكلّفوا لبيان هذه الموارد تفصيلا وعقدوا لذلك بابا سمّوه بباب تعارض الأحوال من وجوه التصرّف في أحد الظاهرين على وجه يندفع به التعارض بينهما ، وهي أمور خمسة : النسخ ، والإضمار ، والمجاز ، والتخصيص ، والتقييد ، فإنّ تعارض الدليلين بحسب الدلالة يرجع إلى تعارض أحد هذه الوجوه بعضها مع بعض.
ثمّ إنّ التعارض قد يقع بين نوع واحد منها كتعارض التخصيص بمثله والمجاز كذلك كالتقييد والإضمار مثلا ، وقد يكون بين أفراد نوعين منها وهو قد يكون ثنائيا ، وقد يكون ثلاثيا ، وقد يكون رباعيا ، وقد يكون خماسيا.
ونحن نتعرّض لأحكام التعارض الثنائي ويعلم أحكام البواقي منها ، فنقول : إن كان التعارض بين نوعين منها فإذا وقع التعارض بين النسخ وغيره ، فالظاهر تأخّر النسخ عن غيره ؛ لأنّ الغالب هو عدم النسخ حتّى بالنسبة إلى الإضمار أيضا ، إلاّ أنّه قد يمكن أن يكون في خصوص مورد يحكم فيه بتقديم النسخ على غيره مطلقا لخصوصية في نفس ذلك المقام لا تتعدّاه ؛ لما عرفت من أنّ (١) المعيار هو الظهور العرفي.
وإذا وقع التعارض بين المجاز والتخصيص فالمعروف بينهم تقديم الثاني ؛ لأنّ العرف يساعد على التقديم في الغالب للغلبة ، ولست أقول : إنّ التخصيص بالنسبة إلى سائر أنواع المجازات المعمولة في الحقائق أغلب ، ولأنّ أغلب العمومات مخصّصة كما يظهر
__________________
(١) المثبت من « د » وفي سائر النسخ : ـ أنّ.