جعلت فداك فإن وافقهما الخبران جميعا؟ قال : « ينظر إلى ما هو أميل إليه (١) حكّامهم وقضاتهم فيترك ويؤخذ بالآخر » قلت : فإن وافق حكّامهم الخبرين جميعا؟ قال : « إذا كان ذلك فأرجه حتّى تلقى إمامك فإنّ الوقوف عند الشبهات خير من الاقتحام في الهلكات ».
والكلام في هذه الرواية تارة : يقع في السند ، وأخرى : في الدلالة.
أمّا الأوّل : فنقول : لا إشكال في اعتبار سند هذه الرواية ، ولذلك اشتهرت بالمقبولة ، ولعلّ تسميتها بها ليس بواسطة كونها معمولا بها عندهم ، بل لأنّ هذه الرواية لا تندرج في أحد أقسام الحديث ؛ لاختلاف الأصحاب في بعض رواتها على وجه لا يدخل في واحد منها اصطلاحا ، إلاّ أنّه يظهر منهم الاعتماد عليها ، فتأمّل.
وكيف كان ، فرواة هذه الرواية ممّن عدا داود وعمر بن حنظلة كلّهم موثّقة فإنّ محمّد بن يحيى العطّار ومحمّد بن الحسين بن أبي الخطّاب من أعاظم الأصحاب كمحمّد بن عيسى وصفوان ممّا قيل (٢) في حقّه : لا يروي إلاّ عن ثقة كالبزنطي مع أنّه من أصحاب الإجماع ، وأمّا داود فقد قال الشيخ (٣) وابن عقدة : إنّه واقفي ، ووثّقه النجاشي (٤) ، فتصحيح الفاضل التوني (٥) للرواية مبنيّ على ترجيح قول النجاشي لكونه أضبط ، وقد يقال بأنّ أضبطية النجاشي يعارضه صراحة كلام الشيخ في الحكم بوقفه ،
__________________
(١) في المصدر : ما هم إليه أميل.
(٢) قاله الشيخ في عدّة الأصول ١ : ١٥٢ ، حيث قال : وإذا كان أحد الراويين مسندا والآخر مرسلا نظر في حال المرسل فإن كان ممّن يعلم أنّه لا يرسل إلاّ عن ثقة موثوق به فلا ترجيح لخبر غيره على خبره ، ولأجل ذلك سوّت الطائفة بين ما يرويه محمّد بن أبي عمير وصفوان بن يحيى وأحمد بن محمّد بن أبي نصر وغيرهم من الثقات الذين عرفوا بأنّهم لا يروون ولا يرسلون إلاّ عمّن يوثق به وبين ما أسنده غيرهم ، ولذلك عملوا بمراسيلهم إذا انفردوا عن رواية غيرهم.
(٣) رجال الطوسى ٣٤٩ / ٥.
(٤) رجال النجاشى ١٥٩ / ٤٢١.
(٥) الوافية : ٣٢٧.