حيث أفاد : أنّ ما سوى التخيير بين الأدلّة المتعارضة ممّا لا يمكن (١) استفادته من الأخبار العلاجية ؛ لاختلاف مواردها وعدم العلم بوجوه الجمع بينها (٢) ، فهذه المرفوعة تعارض المقبولة في ترتيب المرجّحات ، فإنّ المقدّم في الترجيح في المقبولة هو الأعدلية ، ثمّ بعد ذلك الترجيح بالشهرة ، بخلاف المرفوعة فإنّ الترجيح بالشهرة مقدّم عليها وإن كان يمكن ترجيح المقبولة على المرفوعة على الوجهين ؛ لأعدلية رواتها مع استشهارها أيضا بالنسبة إلى المرفوعة ، إلاّ أنّ وجوه الاختلاف بين هذه الروايات كثيرة ظاهرة : فتارة : آمرة بأخذ ما وافق الكتاب ، وأخرى بطرح ما خالف العامّة ، وتارة : حاكمة بالتوقّف ، ومرّة : ناطقة بوجوب التخيير ، إلى غير ذلك ، فلا تكاد (٣) يستقيم شيء منها كما هو ظاهر على المتأمّل في مساقها.
ومن هنا يعلم سقوط ما توهّمه بعض الأخبارية ـ في الطعن على أساطين العلماء كالعلاّمة الذي هو بين أرباب العلوم كالبدر الطالع بين النجوم ، فإنّه هو الذي قد منّ الله تعالى بوجوده على الفرقة الناجية ـ من أنّ هؤلاء إنّما تركوا الأخبار العلاجية وأخذوا بالظنّ (٤) في مقام الترجيح تبعا للعامّة ، فإنّ هذه الأخبار ممّا لا يستفاد (٥) منها شيء ، بل لنا أن نقول : إنّ اختلاف طرق هذه الروايات من أقوى الشواهد على عدم اختصاص المذكورات بالترجيح ، فعليك بالإنصاف في المقام والاجتناب عن الاعتساف في تحصيل المرام ، والله الموفّق وهو الهادي.
__________________
فما وافق كتاب الله عزّ وجلّ فذخذوه ، وما خالف كتاب الله فذروه » ، وقوله : « دعوا ما وافق القوم فإنّ الرشد في خلافهم » ، وقوله : « خذوا بالمجمع عليه فإنّ المجمع عليه لا ريب فيه » ، ونحن لا نعرف من جميع ذلك إلاّ أقلّه ، ولا نجد شيئا أحوط ولا أوسع من ردّ علم ذلك كلّه إلى العالم عليهالسلام وقبول ما وسّع من الأمر فيه بقوله : « بأيّما أخذتم من باب التسليم وسعكم » ، انتهى موضع الحاجة من كلامه. ولعمري إنّه قد أفصح عمّا نحن بصدده غايته ، فتدبّر.
(١) « د » : لا يكون.
(٢) « د » : بينهما.
(٣) « د ج م » : فلا يكاد.
(٤) « س » : بالطعن.
(٥) « س » : ممّا يستفاد.