هذا تمام الكلام فيما يستفاد من الروايات والأدلّة الخاصّة ، وأمّا الكلام فيما هو قضيّة لمذاهب (١) بتقريب أنّ ما مرّ من التلويحات الأخبارية والإجماعات المنقولة ربّما يمنع عنها مانع ، وحيث إنّ دائرة المنع أوسع ممّا يمكن أن يحاط به فنحن إرخاء لعنان الخصم وإغماضا عمّا ذكرنا نفصّل الكلام على مقتضى المذاهب وإلاّ فالخبير تنبّه ممّا ذكر (٢) قطعا ، فنقول : إنّه قد يدّعى جريان دليل الانسداد القاضي بحجّية مطلق الظنّ في نفس مسألة الترجيح ، وتقريره هو أنّه لا ريب في وجوب الترجيح على المجتهد في الأخبار المتعارضة ؛ إذ لو لم يؤخذ به لزم طرح الأخبار الكثيرة المستلزمة للمخالفة القطعية ، والمرجّحات المنصوصة قد (٣) عرفت (٤) حالها من عدم انضباطها وقلّة مواردها وعدم إمكان الجمع بينها في الروايات المختلفة ، والاحتياط بالجمع بين مدلولي المتعارضين غير ممكن أو غير واجب إجماعا ، فلا بدّ من الأخذ بالظنّ القائم على أحد الطرفين ، ضرورة بطلان ترجيح المرجوح على الراجح.
فإن قيل : فليراجع إلى التخيير في كلّ الموارد. قلنا : مردود بالعلم الإجمالي بالمخالفة القطعية على تقديره.
ولكنّ الإنصاف عدم استقامة الوجه المذكور ؛ لأنّ الأغلب ارتفاع التعارض بين المتعارضين بإعمال المرجّحات الإجماعية كحمل الظاهر على النصّ والأظهر ، ونحو ذلك من المرجّحات المعمولة في الدلالة على ما عرفت شطرا منها ؛ إذ أغلب موارد التعارض كما يظهر بالتتبّع مرجعها إلى التعارض في الدلالة ، وبعد إعمال المرجّحات المنصوصة أيضا على الوجه المعلوم اعتبارها من اجتماع الأخبار (٥) العلاجية لا نسلّم أنّ الرجوع إلى التخيير يستلزم المخالفة القطعية.
__________________
(١) « د » : المذهب.
(٢) « س » : ذكرنا.
(٣) « ج » : وقد.
(٤) قد عرفت في ص ٥٨٢ ـ ٥٨٣.
(٥) « ج » : « أخبار » وكذا في المورد الآتي.