ترى صريح في أنّ الحمل على التقيّة لا يستلزم وجود قول من العامّة على طبقه.
واعترضه الوحيد البهبهاني في فوائده بوجوه : منها : أنّ الحكم إذا لم يكن موافقا لمذهب العامّة يكون رشدا وصوابا ؛ لأنّ الرشد في خلافهم إذا المراد هو الرشد الواقعي مع قطع النظر عن وقوع الفعل من جهة التقيّة ، وإلاّ فهذه الجهة قد تعرض (١) لمذهب من مذاهب العامّة فيصير رشدا.
ومنها : أنّ ذلك لا يصلح وجها للتقيّة ؛ لأنّ القول بخلاف ما ذهب إليه العامّة ولو واحدا أدخل في وقوع الأذى منهم على الشيعة فإنّهم كانوا يتّهمونهم بأمور جزئية فكيف بالقول بما هو خلاف الكلّ منهم؟
ومنها : أنّ التقيّة اعتبرت لأجل ترجيح الخبر الذي هو الحقّ على الذي هو ليس بحقّ ورشد على ما يظهر من الأخبار وهذا ينافي ما ذكر قطعا (٢).
والتحقيق في المقام : أنّ المحدّث المذكور إنّما قال بذلك روما إلى أنّ وجه الاختلاف بين الأخبار لا ينحصر في التقيّة بالمعنى المعهود بين الأصحاب ، بل يمكن أن يكون التقيّة على هذا الوجه ولم يرد بذلك أنّ التقيّة على هذا الوجه تنهض مرجّحة للخبر ، وإنّما ساق الكلام في ذلك المقام لا في مقام الترجيح ، نعم قد نبّه على ذلك بقوله : « ولعلّك » فلو أراد بذلك الترجيح بمثل هذه التقيّة كما يشعر به قوله : « من أقوى المرجّحات » فيرد عليه : أنّه لا يعقل أن يكون هذه التقيّة من المرجّحات ، كيف والخبران متساويان في هذا الاحتمال؟ كما اعترضه المحقّق البهبهاني ، إلاّ أنّ الظاهر منه في تضاعيف كلماته في الموارد الفقهية عدم الاعتداد بمثل هذه التقيّة في مقام الترجيح ، فالإنصاف أنّ مقصوده ما عرفت من إبداء وجه الاختلاف بين الأخبار ، وإنّما رام بذلك إبطال تقسيم الأخبار عند المتأخّرين من أصحابنا إلى الأقسام الأربعة.
__________________
(٩) في النسخ : يعرض.
(١٠) الفوائد الحائرية ( الفوائد الجديدة ) : ٣٥٣ ـ ٣٥٤ مع تلخيص.