قلت : ويحتمل أن يكون المراد بالموافقة هو موافقة البعض ، ومع ذلك فلا ينافي كثرة ميلهم إلى طرف ؛ إذ ليس بناؤهم على إصابة الواقع على ما هو عليه ، نعم لو فرض انحصار المطلوب في إصابة الواقع فبعد اختلاف المدارك لا وجه لكثرة الميل ، وأمّا بعد ما هو المعهود منهم من التخلّف عن العترة الطاهرة والأخذ بمشتهيات نفوسهم القاصرة فلا استبعاد في كثرة الميل إلى طرف من أطراف المسألة الخلافية كما هو ديدنهم في الحال.
فيكون محصّل المراد على هذا الوجه : إذا وافق الخبران العامّة بأن يكون أحدهما موافقا لبعضهم والآخر لبعض آخر فينظر إلى (١) كثرة ميل أكابر قضاتهم وسلاطينهم إلى أحدهما فيترك ويؤخذ بالآخر ، ولا حزازة في ذلك إلاّ بواسطة تقدير مضاف للقضاة ، ولا بأس به بعد مساعدة السياق عليه وذلك يستقيم وجها للأخذ بالآخر ، فيكون الرواية الشريفة إشارة إلى اغتشاش أمورهم في الفتوى والقضاء ونحو ذلك ، وكم من إشارة مثلها في أخبار أهل البيت ، عليهم من الصلاة أفضلها ومن السلام أزكاه وأنماه.
ثمّ إنّ الترجيح بهذا المرجّح ممّا لا ينبغي الارتياب فيه فإنّه على منار من الوضوح ، والذي ينبغي أن ينظر فيه هو أنّه لو فرضنا تعارض الترجيح الصدوري لترجيح جهة الصدور فهل المقدّم في العمل أيّهما؟ مثلا لو دار الأمر بين روايتين ، إحداهما مخالفة للعامّة ، والأخرى راويها أعدل (٢) ، فهل يجب الأخذ بالمخالفة ، أو يجب الأخذ بالأعدلية؟ ظاهر المقبولة والمرفوعة المتقدّمين هو الأوّل ؛ لاعتبار الترجيح بالأعدلية فيهما مقدّما على الترجيح بالمخالفة ، إلاّ أنّ قضيّة القاعدة هو الثاني ؛ لدوران الأمر بين ارتفاع اليد عن عموم الدليل الدالّ على الحجّية بواسطة الأخذ بالترجيح الصدوري إذ يستلزم ذلك خروج الآخر عن عموم الدليل ، وبين ارتفاع اليد عن أصالة عدم التقيّة ، ولا ريب أنّ الثاني أهون فإنّ العمل بتلك الأصالة وإن كان بواسطة الدليل الدالّ عليها إلاّ أنّ التصرّف فيها لا يوجب التصرّف في أمر لفظي ، فالأخذ بمرجّح جهة الصدور
__________________
(١) « ج » : إلى ما هو.
(٢) « س » : الأعدل.