ترى أنّ واحدا من القوم لم يذهب إلى ترجيح أخبار الاحتياط على القول بتحقّق المعارضة بينها وبين أخبار البراءة أنّ (١) الترجيح لأخبار الاحتياط لموافقتها للاحتياط وذلك أمر ظاهر لا يكاد يخفى.
ومن هنا ينقدح لك أنّ الترجيح بالأصل على تقديره إنّما هو ترجيح مدلولي ولا مدخل للسند فيه ، نعم على القول باعتبار الأصل ظنّا يزيد على ذلك شيء وهو كشفه عن مطابقة مضمون الموافق للواقع ، بخلاف ما إذا قيل به تعبّدا فإنّ المطابقة اللازمة على هذا التقدير عملية صرفة ، ولذلك قلنا بأنّه ترجيح مدلولي صرف ، فتدبّر.
وإذ قد تحقّقت ذلك فاعلم أنّه احتجّ القائل بتقديم الناقل بأنّه يستفاد منه ما لا يستفاد إلاّ منه ، والموافق حكمه معلوم بالعقل فلا يحتاج حكمه إلى البيان ، ولمّا كان وظيفة الشارع بيان أمور غير معلومة كان اعتبار الناقل أولى.
وهذه الحجّة ظاهرة الضعف وبيّنة الفساد وسبيل المنع إلى مقدّمتيها واضح ؛ إذ لا نسلّم الأولوية أوّلا ولا غضاضة فإنّ وظيفة الشارع بيان ما يحتاج إليه العباد على أيّ وجه يكون ، وهل ترى أنّ الإمام عليهالسلام أحال أمرا من الأمور في حكم من الأحكام إلى (٢) أصل من الأصول؟ كلاّ ثمّ كلاّ فإنّ الأصل إنّما هو علاج لمرض الشكّ في الواقع عند عدم إمكان الوصول إليه ومن هو في الواقع يستتبع الواقع كيف يوكل السائل عن الواقع إلى ما هو علاج للشكّ فيه؟! وذلك ظاهر ، وعلى تقدير التسليم لا دليل على جواز الاتّكال بمثل هذه الظنون العقلية التي منشؤها استحسان عقلي في مقام الترجيح ولا ينافي ذلك ما تقدّم من عموم حجّية الظنّ في مقام الترجيح ؛ إذ لم يكن التعويل هناك إلاّ على العمل والإجماع ، وانتفاؤها في المقام معلوم.
واحتجّ أيضا القائل بتقديم الناقل بأنّ العمل به يقتضي تقليل النسخ ؛ لأنّه يزيل
__________________
(١) كذا. والصواب : « وأن » أو « بأنّ ».
(٢) « م » : على.