حكم العقل فقط ، بخلاف المقرّر فإنّه يوجب تكثيره (١) ؛ لإزالته حكم الناقل بعد إزالة الناقل حكم الأصل المستفاد بالعقل.
أقول : وهذه الحجّة مبنيّة (٢) على مقدّمتين : إحداهما : أنّ الأخذ بأحدث الخبرين لازم ، والثانية : أنّ الأحدث ينبغي أن يكون الناقل ؛ إذ لو كان المقرّر هو الأحدث يلزم ارتفاع حكم الناقل به وارتفاع حكم الأصل بالناقل ، فالنسخ اللازم على تقدير الأخذ بالمقرّر أكثر من النسخ اللازم على تقدير الأخذ بالناقل ؛ لأنّ ورود المقرّر ليس نسخا للأصل ، بل هو مقرّر له و (٣) مؤكّد له.
وفسادها ظاهر أمّا أوّلا : فلأنّ رفع الحكم الثابت بالأصل لا يعدّ من النسخ في شيء ، اللهمّ إلاّ أن يراد منه مطلق الإزالة وهو مع كونه خلاف مصطلحهم لا يلائم قول المحقّق كما ستعرفه (٤).
وأمّا ثانيا : فلأنّ الأخذ بالأحدث قد عرفت (٥) القول فيه على وجه يغني عن إعادة (٦) الكلام في المقام.
وأمّا ثالثا : فلأنّ الاعتماد على هذه الاعتبارات الضعيفة ممّا لم يعلم جوازه في مقام الأحكام الشرعية.
واحتجّ القائل بتقديم المقرّر بأنّ حمل الحديث على ما لا يستفاد إلاّ من الشرع أولى من حمله على ما يستقلّ (٧) العقل بمعرفته ؛ إذ فائدة التأسيس أقوى من فائدة التأكيد ، وحمل كلام الشارع على الأكثر (٨) فائدة أولى ، والحكم بترجيح الناقل يستلزم الحكم بتقديم المقرّر عليه وذلك يقتضي كونه واردا حيث لا حاجة إليه ؛ لأنّ مضمونه معلوم ـ إذ ذلك بالعقل ـ فلا يفيد سوى التأكيد وقد علم مرجوحيته ، بخلاف ما إذا رجّحنا
__________________
(١) « ج ، س » : تكثره.
(٢) « س » : مبتنية.
(٣) « س » : « بل » بدل : « و ».
(٤) ستعرفه في الصفحة الآتية.
(٥) عرفت في ص ٦٢٦.
(٦) المثبت من « س » ، وفي سائر النسخ « إفادة ».
(٧) « س » : ما لا يستقلّ.
(٨) « د » : أكثر.