التعارض على ما ذكر أيضا ؛ إذ لا أقلّ من اعتبار عدم العلم بالخلاف في مجرى الأصل ، وذلك أيضا غير معلوم في محلّ التعارض ؛ لأنّ الخبر المخالف للأصل ما لم يحكم بسقوطه ، فلا يعلم عدم العلم بخلاف الأصل فلا يعلم بتحقّق مورد الأصل ولا يحكم بسقوطه ما لم يعلم بترجيح معارضه عليه ، فيلزم توقّف الجريان عليه ، وهو محال ظاهرا.
وأمّا ثانيا : فلأنّ الوجه في عدم الترجيح على ما عرفت هو عدم حصول التقوية بالأصل لأحد الدليلين ؛ لاختلاف مفادهما من حيث إنّ مفاد الأصل هو حكم الواقعة المشكوكة من حيث إنّها مشكوكة ومفاد الخبر هو الحكم الواقعي لها ، وما ذكر في وجه التفصيل ممّا لا ينهض (١) بدفع هذا الوجه بوجه ، فهو خارج عن قانون التوجيه ؛ إذ اللازم للمفصّل دفع ما جعله النافي وجها للنفي ، فتدبّر.
فالتحقيق في المقام : هو الأخذ بإطلاق أخبار التخيير لا الترجيح بالأصل ، ولا الحكم بالتساقط والرجوع إلى الأصل ، أمّا الأوّل فلما عرفت ، وأمّا الثاني فلقول الرضا عليه آلاف التحية والثناء فيما رواه الطبرسي في الاحتجاج : « إذا لم تعلم فموسّع عليك بأيّهما أخذت » (٢) وفي المرفوعة : « فتخيّر أحدهما فتأخذ به وتدع الآخر » (٣).
ومن محاسن الاتّفاق أنّ الإمام عليهالسلام حكم بالتخيير في مورد الأصل ، كما في صحيحة عليّ بن مهزيار قال : قرأت في كتاب لعبد الله بن محمّد إلى أبي الحسن عليهالسلام : اختلف أصحابنا في رواياتهم عن أبي عبد الله عليهالسلام في ركعتي الفجر في السفر فروى بعضهم : « صلّى (٤) في المحمل » وروى بعضهم : « لا يصلّيها إلاّ على الأرض » فأعلمني كيف أصنع؟ وأعلمني (٥) كيف تصنع أنت لأقتدي بك؟ فوقّع عليهالسلام : « موسّع عليك بأيّة
__________________
(١) المثبت من « د » وفي سائر النسخ : لا يلتصق.
(٢) الاحتجاج ٢ : ٢٦٤ / ٢٣٣ ، وتقدّم عنه في ص ٥٨٦.
(٣) تقدّم في ص ٥٨٢.
(٤) في المصادر : أن صلّهما.
(٥) ليس في المصادر قوله : « كيف أصنع وأعلمني ».