على معارضه ، ويمكن أن يحتجّ لذلك بأنّ الحقّ في أحد الخبرين فلا يمكن (١) العمل بهما ولا طرحهما ، فتعيّن أن يعمل بأحدهما ، وإذا كان التقدير تقدير التعارض فلا بدّ من العمل بأحدهما من مرجّح والقياس ممّا يصلح أن يكون مرجّحا لحصول الظنّ به ، فتعيّن العمل بما طابقه. لا يقال : أجمعنا على أنّ القياس مطروح في الشريعة ، لأنّا نقول : بمعنى أنّه ليس بدليل على الحكم لا بمعنى أنّه لا يكون مرجّحا لأحد الخبرين على الآخر ، وهذا لأنّ فائدة كونه مرجّحا كونه دافعا (٢) للعمل بالخبر المرجوح ، فيعود الراجح كالخبر السليم عن المعارض ويكون العمل به لا بذلك القياس ، وفي ذلك نظر (٣) ، انتهى كلامه رفع الله مقامه.
والحقّ الحقيق بالتصديق هو أنّ ما ذهب إليه الذاهب ممّا لا ينبغي أن يصغى إليه ولا أن يكون مسرحا لأنظار العلماء ، فإنّ بداهة (٤) بطلان التعويل على القياس على أيّ وجه يقاس ممّا لا ينبغي أن يقاس بأجلى الضروريات وأوّل البديهيات في مذهب القائلين بإمامة الأئمّة عليهم أفضل الصلاة والسلام ومع ذلك فحيث إنّ المحقّق مع جلالة قدره وعظم مرتبته قد تصدّى لذكره ، فنحن اقتفاء له بخيل الطرف في هذا الميدان فنقول : يدلّ على فساد ما ذهب إليه الذاهب ـ أعاذنا الله وإخواننا عن أمثال هذه المذاهب الباطلة ـ أمور :
الأوّل : إجماع الفرقة المحقّة بأجمعهم على ترك التعويل عليه والركون إليه ، وبذلك يشهد كلّ موافق ومخالف ويذعن كلّ منافق ومؤالف وبهذا كانوا معروفين عند خصومهم ويبرءون (٥) ممّن زعم ذلك حتّى أنّهم تركوا بعض من ربّما يظهر منه الميل إليه ، وقصّة هجر بعض الكتب المنسوب إلى بعض أصحاب هذا القول معروفة إلى أن صار
__________________
(١) « م » : ولا يمكن.
(٢) « ج ، ش » : رافعا.
(٣) معارج الأصول : ٢٦١ ـ ٢٦٢.
(٤) « ج ، د » : بداهته.
(٥) المثبت من « د » وفي سائر النسخ : ينزّلون.