وبالجملة : فالقياس وجوده وتقارنه لأحد الخبرين ـ لو لم ينقص من عدمه ؛ إذ ربّما يعدّ المخالف للقياس مخالفا لطريقة العامّة ـ لا يوجب شيئا من الأحكام الشرعية حتّى أنّ الاحتياط في مورده أيضا غير مطلوب ، فلا وجه للأخذ بالخبر الموافق (١) بواسطة قاعدة الاشتغال على تقدير تماميتها ، فإنّ العالم بواقعيات الأشياء قد منع من الاتّكال على الوجوه الظنّية ، كما رواه في العيون عن مولانا الرضا عليهالسلام في رواية ـ بعد الترجيح فيها بموافقة الكتاب والسنة ، ثمّ التخيير ـ : « وما لم تجدوه في شيء من ذلك الوجوه فردّوا إلينا علمه فنحن أولى بذلك ، ولا تقولوا فيه بآرائكم وعليكم بالكفّ والتثبّت والوقوف وأنتم طالبون باحثون حتّى يأتيكم البيان من عندنا » (٢).
ويغنينا عن ذلك كلّه ما ورد في ذيل المرفوعة (٣) من قوله : « فإنّ الوقوف عند الشبهات خير من الاقتحام في الهلكات » والتقريب ظاهر ؛ إذ ليس المقصود من الوقوف هو الوقوف عند عدم المرجّح في النفس ؛ إذ يستحيل صدور الفعل بدون المرجّح ، بل المراد به عدم الاعتناء بالمرجّحات التي لم ينصّ عليها بالخصوص أو بوجه من الوجوه التي عرفت سبيل الاستنباط فيها من الأدلّة الدالّة عليها كما تقدّم.
فالإنصاف أنّ التعدّي من المرجّحات المنصوصة إلى غيرها موقوف على حصول الاطمئنان بعمل الأصحاب فيه ونحوه ، فعليك بإمعان النظر في هذا المقام مراعيا أحسن الأوصاف مجانبا عن الاعتساف ، والله الموفّق وهو الهادي سواء السبيل.
__________________
(١) « ج ، د » : المخالف.
(٢) عيون أخبار الرضا عليهالسلام ٢ : ٢٠ ، باب (٣٠) فيما جاء عن الرضا عليهالسلام من الأخبار ، ح ٤٥ ؛ وعنه في الوسائل ٢٧ : ١١٥ ، باب ٩ من أبواب صفات القاضي ، ح ٢١ ، و ٢٧ : ١٦٥ ، باب ١٢ من أبواب صفات القاضي ، ح ٣٦.
(٣) كذا. والصواب : المقبولة ، وقد تقدّمت بتمامها في ص ٥٧٦ ـ ٥٧٨.