وجه لملاحظة الدلالة إلاّ بعد فرض التكافؤ من سائر الجهات مع احتمال وجود الترجيح من هذه الجهة ، والمنساق من أخبار التخيير ليس إلاّ حال عدم ما يصلح للترجيح مطلقا.
وإذ قد عرفت هذا فاعلم أنّه لا ريب في اعتبار المرجّحات الداخلية المعمولة في الدلالة ممّا يعتبرها أهل اللسان في كشف المراد من الأمور المكتنفة بالألفاظ ، والأغلب رجوعها إلى الغلبة ، والمعتبرة منها ما كانت بحيث يصحّ التعويل عليها عرفا في التفهيم عند التخاطب ، فلا عبرة بالحادثة بعد الاستعمال ولا بما لا يعلم تعويل المتكلّم عليها ؛ لعدم العلم بتحقّقها حال الاستعمال.
وتوضيح ذلك : أنّه تارة : يعلم بتحقّق الغلبة على وجه يصحّ الاتّكال عليها في مقام التفهيم والتفهّم ، كما في غلبة التخصيص على سائر أنواع المجاز فإنّها غلبة واقعية قابلة لأن يعتمد عليها المتكلّم بكلامين يحتمل أحدهما التخصيص ، والآخر مجازا آخر ، في تقديم التخصيص في أحدهما على المجاز في الآخر (١) ، وتارة : تحصل (٢) الغلبة بعد الاستعمال على وجه يكون الاستعمال المقترنة (٣) بالقرينة موجبة لحدوث الغلبة ، ففي تلك الاستعمالات لا وجه للتعويل على الغلبة ؛ إذ بها تحصل وإنّما تثمر بعد حصولها ، وتارة : لا يعلم تعويل المتكلّم عليها ـ مثلا ـ أنّ الأمر في عرف الأئمّة عليهمالسلام إنّما غلب (٤) استعماله في الندب كما زعمه صاحب المعالم رحمهالله (٥) ، فهذه الغلبة على تقدير صحّتها إنّما يجدي فيما يعلم التعويل عليها ، وأمّا لو فرضنا أنّ أحدا سأل الإمام عليهالسلام عن شيء فأمره فلا يصلح (٦) لأن يكون هذه الغلبة معوّلا عليها في صرف الأمر عن ظاهره وحمله على المجاز ، فالغلبة المعتبرة هي الغلبة على الوجه الأوّل ، وأمّا الأخيران فلا
__________________
(١) « م » : آخر.
(٢) المثبت من « س » وفي سائر النسخ : يحصل.
(٣) « د » : المقرونة.
(٤) « س » : غلبت.
(٥) المعالم : ٥٣.
(٦) « د » : فلا يصحّ.