كان ذلك فأرجه وقف حتّى تلقى إمامك فإنّ الوقوف عند الشبهات خير من الاقتحام في الهلكات » (١).
وتدلّ على الثاني أيضا أخبار كثيرة قد أشير فيما مرّ إلى جملة منها فراجعها (٢).
والإنصاف : أنّ الراجح في النظر هو ما ذهب إليه المجتهدون فإنّ الظاهر من هذه الأخبار الخاصّة اختصاص موردها بما إذا تيسّر تحصيل العلم بالواقع والمفروض في زماننا هذا تعذّره ، فليس المنساق منها بيان حكم المشتبه فيما إذا لم يكن مرجوّ الزوال كما يرشد إليه قوله : « حتّى تلقى إمامك » وقوله : « حتّى نشرح لكم ما شرح لنا ».
وعلى تقدير التنزّل فأخبار التخيير أخصّ من هذه الأخبار ، فلا بدّ من الأخذ بالأخصّ تحكيما له على العامّ ، فإنّ موارد التوقّف بناء على عدم اختصاصها بصورة التمكّن من العلم يعمّ حال التمكّن وعدمه ، وأخبار التخيير تختصّ بما إذا كان المكلّف متحيّرا من جميع الجهات وهي حالة عدم التمكّن.
ولئن سلّمنا تواردهما في مورد واحد فالحقّ أنّ الترجيح لأخبار التخيير من وجوه : الأوّل : كثرتها فإنّها تبلغ نيّفا وعشرا على ما حكي ، الثاني : اعتضادها بذهاب المشهور إليه ، بل في المعالم : لا نعرف في ذلك مخالفا من الأصحاب وعليه أكثر أهل الخلاف (٣) ، الثالث : صحّة أسانيدها كما هو ظاهر بعد الرجوع إليها.
ولعلّ بعد ملاحظة ما ذكر يحصل الاطمئنان بأنّ الحكم في الواقعة هو التخيير دون التوقّف.
فإن قلت : إنّ ملاحظة حالات العقلاء في العمل بما في أيديهم من الطرق المعمولة عليها عندهم يعطي التوقّف ؛ إذ ربّما ينسبون القائل بالتخيير فيما تعارض عنده قول زيد بقول عمرو في واقعة إلى الهجر والهذيان (٤) ، وذلك من أقوى المرجّحات لأخبار
__________________
(١) تقدّم في ص ٥٧٦ ـ ٥٧٨.
(٢) راجع ص ٦٣٣ ـ ٦٣٤.
(٣) المعالم : ٢٥٠. وتقدّم عنه في ص ٥٣٧.
(٤) المثبت من « د » وفي سائر النسخ : الهليان.