ولا ريب أيضا أنّ تبادل أفراد عنوان الخارج تارة : لا يكون باختيار المكلّف كما عرفت من صيرورة العالم جاهلا ؛ إذ لا يناط علمه وجهله إلى اختيار من توجّه إليه التكليف بذلك العامّ الخارج منه العالم ، وتارة : يكون باختيار المكلّف كما إذا قيل : « أكرم العلماء ـ مثلا ـ إلاّ من أجرته دارك » فإنّ تبادل عنوان المستأجر للدار في أفراده إنّما هو باختيار المكلّف ، فأيّ منهم اختار أن يؤجره الدار يكون خارجا عن العموم ، والآخر داخلا يجب الحكم بإكرامه مثلا ، وما نحن فيه من قبيل الثاني فإنّ الخارج هو عنوان المعجوز عنه وذلك العنوان يختلف أفراده باختيار المكلّف ، فكلّ ما اختاره (١) المكلّف في مقام العمل بوجوه مرجّحة منقدحة في نفس العامل يصير الآخر غير مقدور ، وذلك أمر شائع في الأوقاف والوصايا كما لا يخفى على من له قلب أو ألقى السمع وهو شهيد.
والحاصل : أنّ قضيّة القواعد في الأدلّة التعبّدية هو القول بالتخيير ، ولا ينافي ذلك عدم توجّه الخطاب الفعلي على المكلّف كما في تزاحم الحقوق وتعارض الواجبين ، ولذلك قلنا بأنّ الحكم هو ملاحظة نفس الحكمين من وجود المرجّحات الداخلية من الأهمّية ونحوها والخارجية وعدمها من غير ملاحظة حال دليلهما ، فتدبّر.
وأمّا مقام التوقّف ففيما إذا قلنا باعتبار الخبر من حيث إنّه طريق معمول به عند العقلاء ، مرآة للواقع ، كاشف عنه ، فإذا تعارض ـ بناء على هذا القول ـ خبران لا بدّ من التوقّف ؛ إذ يستحيل أن يكون طريق الواقع على طرفي الخلاف ، فيقطع بأنّ الواقع في أحدهما ، والآخر ليس ممّا يتوصّل به إلى الواقع ، وحيث إنّه لا مزيد لأحدهما على الآخر فالعقل يقضي بالتوقّف ؛ لاستحالة الترجيح بلا مرجّح ، ومن هنا قلنا بأنّ العمل المعهود من العقلاء هو التوقّف فيما يتعلّق بأنفسهم من أمور المعاش ؛ إذ ليس المعتبر عندهم إلاّ نفس الواقع ، فعند الترديد فيه لا يجوز الخروج عن أطراف الترديد فلا
__________________
(١) « ج » : اختار.