وبالجملة : ففرق ظاهر بين أن يقنع الأمر عن الواقع ببدله كما إذا قامت البيّنة على أنّ النجس هو هذا الإناء المعيّن فيجب الاجتناب عنه ولا يجب الاجتناب (١) عن الآخر ، وبين أن يجعل للمشكوك حكما ظاهريا في مقام الشكّ علاجا ، ومفاد الأصل هو الثاني ، ومفاد الدليل الدالّ على البدلية لا بدّ وأن يكون على الوجه الأوّل ، ولا يجوز أن يكون الكلام المنساق لأحدهما منساقا للآخر ، نعم بعد ما بنى المكلّف على الأخذ بالعلم الإجمالي بالامتثال بجميع أطراف الشبهة يجوز جعل الطريق إلى الواقع والبدل ، وأمّا الاستناد بدليل الأصل في هذا المقام فليس بسديد كما عرفت ، فلا بدّ إمّا من القول بوجوب الاجتناب في الشبهة المحصورة وأمثالها كما هو التحقيق ، وإمّا القول بجواز الارتكاب بالنسبة إلى الجميع على وجه غير مرضيّ من حكومة أدلّة الأصول بالنسبة إلى الأدلّة الواقعية بتخصيص التكاليف إلى صورة العلم التفصيلي على ما فرغنا (٢) عن إبطاله في مباحث البراءة والاحتياط من دون تفصيل بين إبقاء (٣) ما يساوي الحرام وبين ارتكاب الجميع.
والحاصل : أنّ حكم الأصلين المتعارضين هو التساقط والرجوع إلى أصل ثالث ، أمّا الأوّل فلما عرفت من امتناع ترخيص الشارع بعد العلم الإجمالي عدم الامتثال ، وأمّا الثاني فلأنّ الأصلين وجودهما كعدمهما حقيقة في نفي الثالث فلا بدّ من الرجوع إليه.
واعلم أنّ ما ذكرنا من أنّ حكم الأصلين المتعارضين هو التساقط إنّما هو فيما إذا قلنا باعتبار الأصول تعبّدا ، وأمّا على القول باعتبارها من باب إفادة الظنّ فالظاهر أنّ حكم الأصل لا يخالف حكم الطرق الواقعية ، فتدبّر في المقام فلعلّك تطّلع على ما ربّما أسقطناه مخافة الإطالة ، والله الموفّق وهو وليّ الهداية.
__________________
(١) المثبت من « س » وفي سائر النسخ : ـ الاجتناب.
(٢) انظر ج ٣ ، ص ٤٤٨ ـ ٤٤٩.
(٣) « ج » : إلغاء.