السابق فكيف يسوغ للشارع النهي عن العمل به والأخذ بالموهوم ، وأمّا ما يرى من النهي عن العمل بالقياس وأضرابه من الظنون الباطلة ، فلعدم استقرار بناء العقلاء على العمل به كما في الاستصحاب ، وليس المدار في كلامنا على مجرّد الظنّ ، بل الظنّ الخاصّ الذي استقرّ بناء العقلاء على العمل به (١).
فإن قلت : بعد وجود مناط البراءة وتحقّق مدركها في موارد الاستصحاب ـ وإن كان مفيدا للظنّ ـ من قبح العقاب بلا بيان ، كما في الاحتياط من حكم العقل بلزوم دفع الضرر ولو كان محتملا ولو (٢) وهما ، لا وجه للقول بطرحها والأخذ بالاستصحاب ؛ إذ الظنّ الاستصحابي لا دليل على كونه بيانا كما أنّه لا دليل على كونه دافعا للضرر ، فاللازم هو الأخذ بأحد الأصول دون الاستصحاب.
قلت : لا نسلّم قبح العقاب فيما إذا كان الظنّ الاستصحابي على الخلاف ، وكذلك المناط في الاحتياط ؛ إذ لا يجب عند العقل دفع الضرر الاحتمالي وإن كان قد يحسن عنده دفعه ، وقس عليهما حال التخيير (٣) ؛ إذ مرجعه حقيقة إلى البراءة. هذا (٤) غاية توجيه كلماتهم مع اختلافها غاية الاختلاف.
الثاني (٥) : أنّ باب العلم في الأحكام العاديّة والشرعية منسدّ لهم غالبا ، والأخذ بالبراءة والاحتياط وطرح الحالة السابقة يورث اختلال نظامهم ، فلا بدّ من الركون إلى الحالة السابقة وهو المطلوب.
وكلّ من الوجهين المذكورين في بيان الكبرى يظهر منهم كما يشعر بذلك عبارة القوانين (٦) فلاحظها ، إلاّ أنّ المقصود من الوجه الأوّل إثبات حجّية الظنّ (٧)
__________________
(١) « ج ، م » : ـ به.
(٢) « ج » : + كان.
(٣) « ج ، م » : وقس حال التخيير عليهما.
(٤) المثبت من « ج » ، وفي سائر النسخ : وهذا.
(٥) تقدّم الأوّل منهما في ص ٧٠.
(٦) انظر القوانين ٢ : ٥٧ ـ ٥٨.
(٧) « م » : ظنّ.