والمطلوب هنا بيان أنّ الوجوب والحرمة (١) العقليّين هل يستلزمان الشرعيّين ، أم لا؟
وجه الاستلزام : أنّ الحرام العقلي لا بدّ أن يكون مذموما عند كلّ عاقل وحكيم ، والواجب العقلي لا بدّ أن يكون ممدوحا كذلك ، فالحرام العقلي لا بدّ أن يكون مكروها ممقوتا عند الله ، وهذا معنى استحقاق عذابه (٢). وقس عليه الواجب العقلي.
وأيضا القطع بعدم العقاب على المحرّمات العقليّة مستلزم لإغراء المكلّفين على القبائح ، وهو قبيح من الله تعالى.
ووجه عدم الاستلزام : قوله تعالى : ( وَما كُنَّا مُعَذِّبِينَ )(٣) إلى آخره ، والأخبار الدالّة على أنّ التكليف لا يكون إلاّ بعد البعث (٤) ، وما ورد من قولهم عليهمالسلام : « كلّ شيء مطلق حتّى يرد فيه نهي » (٥).
وقد عرفت الجواب عن الآية (٦). ومنه يظهر الجواب عن الأخبار. فالحقّ الاستلزام.
ولو لا ذلك لم يكن للعقل مدخليّة في إدراك أحكام الله تعالى مطلقا ، مع أنّه يمتنع الإدراك بدونه ، كما لا يخفى.
نعم ، قد يغلط بعض العقول ، والمناط العقل الصحيح ، فجميع الأحكام الشرعيّة موافقة لمقتضيات العقول الصحيحة ، إلاّ أنّ عقول أمثالنا قاصرة عن إدراك جميعها ، وأحدهما مستلزم للآخر وإن خفي في البعض على بعض العقول.
تقسيم
كلّ واحد من الواجب والمستحبّ قد يوصف بكونه أداء ، أو إعادة ، أو قضاء ، أو تقديما.
فالأداء ما فعل في وقته المقدّر له شرعا أوّلا ، ولم يسبق بآخر مشتمل على نوع من الخلل.
__________________
(١) في « ب » : « الواجب والحرام ».
(٢) في « ب » : « عقابه ».
(٣) الإسراء (١٧) : ١٥.
(٤) منها : ما في الكافي ١ : ١٦٢ ، باب البيان والتعريف ولزوم الحجّة ، ح ١ ، و ١٦٤ ، باب حجج الله على خلقه ، ح ٢ ، والتوحيد : ٤١٤ ، باب التعريف والبيان والحجّة ، ح ١١.
(٥) الفقيه ١ : ٣١٧ ، ح ٩٣٧.
(٦) تقدّم في ص ١٠١.