تذنيب
قد يتداخل بعض الأسباب ، كأسباب الوضوء أو الغسل. فإن نوى رفع واحد منها يرتفع الجميع ، ولا يحتاج إلى نيّة رفع غيره. نعم ، إن نوى عدم رفع غيره يبطل.
والحقّ أنّ هذا الحكم يعمّ أسباب الأغسال الواجبة والمسنونة.
ومنه موجبات الإفطار في يوم واحد بالنسبة إلى التكفير ، والسرقات المتكرّرة مع عدم الظفر بالسارق ، ومرّات الزنى بالنسبة إلى وجوب الحدّ ، وأسباب سجود السهو على رأي بعض الأصحاب (١) ، ومرّات وطء الشبهة بالنسبة إلى وجوب مهر واحد (٢).
ثمّ الأصل عدم تداخل الأسباب ؛ لأنّ العقل حاكم بأنّ كلّ سبب يجب أن يترتّب عليه منفردا مسبّبه ، وكلّ علّة يجب أن يوجد معلوله (٣) وحدها (٤) إذا كانت مستقلّة في العلّيّة ، وإلاّ يلزم توارد العلل على المعلول الواحد.
والقول بأنّ علل الشرع معرّفات يجوز تواردها على معلول واحد (٥) ، كلام خال عن التحقيق ؛ فإنّ الشارع إذا جعل أشياء أسبابا لأمر ، كلّ واحد منها مستقلّ في سببيّته له ، فبعد حصول كلّ واحد منها يجب صدور مسبّبه على حدة وإن حصلت جميعا دفعة ؛ لأنّ ذلك حكم السببيّة والمسبّبيّة ، ولا جهة للاكتفاء بواحد للجميع (٦).
نعم ، يجوز التخلّف في العلل الشرعيّة بدليل خارجيّ ، بخلاف العلل العقليّة ، فالأسباب المذكورة التي وقع فيها التداخل لأجل الدليل الخارجي ، مثلا علّة تداخل أسباب الوضوء أو الغسل أنّه لا معنى لارتفاع نفس الأحداث التي هي أسباب ، بل المرتفع القدر المشترك
__________________
(١) ذهب إليه الشيخ في المبسوط ١ : ١٢٣.
(٢) راجع : الفروق للقرافي ٢ : ٣٠ ، والقواعد والفوائد ١ : ٤٤ و ٤٥ ، القاعدة ١٤.
(٣) كذا في النسختين ، والصحيح « معلولها ».
(٤) كذا في النسختين ، والصحيح « وحده ».
(٥) قال الشهيد في القواعد والفوائد ١ : ٣٩ : « السبب ... اصطلاحا ، كلّ وصف ظاهر منضبط دلّ الدليل على كونه معرّفا لإثبات حكم شرعي ».
(٦) والاكتفاء وعدم الاكتفاء بواحد للجميع عبارة عن تداخل المسبّبات وعدمه ، دون تداخل الأسباب وعدمه ، والكلام في الثاني دون الأوّل ، وكذا قوله : « ارتفاع القدر المشترك يحصل بواحد ».