واستدلّ المخالف : بأنّه طاعة ، وهي فعل الأمور به. وبأنّ أهل اللغة مصرّحون بأنّ الأمر ينقسم إلى الإيجاب والندب ، والمقسم مشترك بين الأقسام (١).
والجواب : منع كون كلّ طاعة مأمورا بها حقيقة ، وكذا كون كلّ مقسم حقيقة في أقسامه ، بدليل كون الإباحة والتهديد من أقسامه مع كون الأمر فيهما مجازا بالاتّفاق.
ويظهر فائدة الخلاف فيما إذا نذر أو حلف أن يأتي بصلاة مأمور بها ، فهل يبرأ ذمّته بالنوافل ، أم لا؟ وقد عرفت الحقّ (٢).
ثمّ الكلام في كون المكروه تكليفا ومنهيّا عنه كالكلام في كون المندوب تكليفا ومأمورا به ، والأدلّة التي تجري في عدم كون المندوب تكليفا ومأمورا به تجري في عدم كون المكروه تكليفا ومنهيّا عنه.
ثمّ إنّك قد عرفت فيما سبق (٣) أنّ المكروه يطلق على ثلاثة معان : من جملتها الحرام ، فهذان الحكمان للمعنيين الأخيرين له ؛ لكون الحرام تكليفا ومنهيّا عنه جزما.
وكيفيّة التفريع كما عرفت في المندوب.
فصل [٨]
اعلم أنّ المباح يطلق على معان :
منها المأذون فيه شرعا ، مباحا كان ، أو واجبا ، أو مندوبا ، أو مكروها.
ومنها ما لا يمتنع عقلا ، لازما كان ، أو راجحا ، أو متساوي الطرفين.
ومنها ما استوى فيه الطرفان شرعا ـ وهو الذي عدّ من الأحكام الخمسة ، وقسيما للواجب ـ أو عقلا ، كأفعال غير العقلاء.
إذا عرفت ذلك ، فاعلم أنّه نقل عن بعض الاصوليّين القول بكون المباح جنسا للواجب (٤) ؛
__________________
(١) راجع المصادر.
(٢) وهو عدم كون المندوب مأمورا به حقيقة.
(٣) مرّ في ص ٩٨.
(٤) راجع الإحكام في أصول الأحكام ١ : ١٧٠.