مستدلاّ بأنّ حقيقة المباح المأذون فيه في الفعل (١) ، وهو حاصل في الواجب.
وأورد عليه ابن الحاجب : بأنّ حقيقته ليس ما ذكر فقط ، بل هو جنسه ، وفصله « مساوي الطرفين » وهو لم يوجد في الواجب (٢).
وغير خفيّ أنّ العاقل لا يقول : إنّ المباح الذي هو من أقسام الحكم وقسيم للواجب جنس له ، فالظاهر بل الجزم أنّ غرض القائل من المباح الذي جعله جنسا للواجب ، هو المباح بالمعنى الأوّل الذي ذكرناه ، والمورد حمل المباح في كلامه على المعنى الثالث. وليت شعري ما الداعي له مع أنّه عدّ المعنى الأوّل من جملة معاني المباح؟
إذا عرفت ذلك تعلم أنّه إذا اطلق المباح في كلام الشارع وغيره يكون مشتركا بين المعاني المذكورة ، إلاّ أنّ المتبادر والفرد الأظهر منها المعنى الثالث منها ، فيجب الحمل عليه. وكذا الأمر في الأيمان ، والتعليقات ، وأمثالهما.
ثمّ الحقّ أنّ الإباحة حكم شرعي ، كما ذهب إليه القوم أجمعون (٣).
وخالف بعض المعتزلة وقال : الإباحة ما لا منع في فعله وتركه ، وهذا ثابت في الأفعال قبل بعثة الشرع ، فلا معنى لكونه حكما شرعيّا (٤).
والجواب : أنّ الإباحة قسمان : أحدهما شرعيّة (٥) ، وهو ما تعلّق خطاب الشرع بكونه مباحا. وثانيهما غير شرعيّة (٦) ، وهو الذي كان ثابتا للأفعال قبل بعثة الرسل ، والإباحة التي من الأحكام الشرعيّة هو القسم الأوّل دون الثاني ؛ فإنّه ليس إباحة شرعيّة.
تذنيب
أجمع القوم على أنّ المباح أي ما استوى فيه الطرفان موجود وليس بمأمور به ؛ لأنّ الأمر طلب وهو يستلزم الترجيح ، وما استوى فعله وتركه ليس فيه ترجيح.
__________________
(١) في « ب » : « العمل ».
(٢) حكاه عنه الآمدي في الإحكام في أصول الأحكام ١ : ١٧٠.
(٣) راجع الإحكام في أصول الأحكام ١ : ١٦٨.
(٤) حكاه عنهم الآمدي في المصدر.
(٥ و ٦) كذا في النسختين ، والصحيح « شرعي ».
(٥ و ٦) كذا في النسختين ، والصحيح « شرعي ».