وفيه تأمّل ؛ لأنّ الشارع وإن لم يطلب منّا سوى ما يتحقّق به مسمّى الوجوب ، إلاّ أنّه تحقّق في الفرض المذكور في جميع الأفراد ، فيجب أن يكون ثوابه ثواب الواجب. وإن أتى بالأفراد على التعاقب ، فلا تأمّل في كون ما أتى به أوّلا واجبا ، فثواب البواقي ليس إلاّ مستحبّا.
ثمّ إنّ بعض الأفراد إذا كان داخلا في بعض آخر ، كمسح الرأس في الوضوء ـ حيث إنّ بعض أفراده المسح بإصبع واحدة ، وهو داخل في المسح بثلاث مثلا وأتى المكلّف بالفرد الأكمل ـ فالحقّ هنا أنّه يوصف بالوجوب ؛ لأنّ الواجب هو الماهيّة الكلّيّة التي يمكن أن تتحقّق في الفرد الناقص والكامل ، وهنا تحقّقت في الكامل ، فيتّصف بالوجوب ، ويثاب عليه ثواب الواجب.
ومن قال : إنّ القدر الزائد مستحبّ (١) ، فنظره إلى أنّه ليس بواجب. وجوابه معلوم.
وإذا ترك جميع الأفراد ، فلا شبهة في أنّه لا يعاقب إلاّ على أقلّها ؛ لأنّه لم يطلب سواه.
وممّا يتفرّع عليه : أنّه إذا أوصى رجل بفرد معيّن من أفراد الكفّارة ، وكان أعلى الأفراد ، فهل يحسب من الأصل ؛ نظرا إلى أنّه لو أتى به اتّصف بالوجوب ، أو يحسب الزيادة من الثلث ؛ نظرا إلى أنّ الواجب أقلّ منه؟ والظاهر ، الثاني.
تذنيب
يصحّ التخيير بين الواجب والندب ، وهذا ما يقال : إنّ أحد الفردين أفضل ، كالتخيير بين صلاة الجمعة وصلاة الظهر على القول به ، والتخيير بين القصر والإتمام في المواطن الأربعة (٢) ، وتخيير النبيّ صلىاللهعليهوآلهوسلم في قيام الليل بين الثلث والنصف والثلثين (٣) ، وتخيير المدين بين الإنظار والصدقة (٤) ، وغير ذلك.
ويجوز التخيير بين المندوبين ، كما إذا نذر بأن يفعل أحد الأمرين ، ولم يجر الصيغة ؛ فإنّه يستحبّ الوفاء به ، ويتخيّر بينهما.
__________________
(١) راجع تمهيد القواعد : ٥٩ و ٦٠ ، القاعدة ١٢.
(٢) هي المسجد الحرام ، ومسجد النبيّ ، والحائر الحسيني ، ومسجد الكوفة.
(٣) كما يستفاد ذلك من الآيات ١ ـ ٤ من المزّمّل (٧٣).
(٤) كما يدلّ عليه قوله تعالى : ( وَإِنْ كانَ ذُو عُسْرَةٍ فَنَظِرَةٌ إِلى مَيْسَرَةٍ وَأَنْ تَصَدَّقُوا خَيْرٌ لَكُمْ ) ، البقرة (٢) : ٢٨٠.