على جواز اجتماع الوجوب والحرمة في شيء باعتبار جهتين.
ثمّ القائلون بعدم الصحّة قالوا : ما تصادق فيه العمومان يتحقّق فيه بينهما التعارض من وجه ، فيجب أن يخصّص الأضعف بالأقوى.
واحتجّوا على ذلك : بأنّه لا يمكن أن يكون شيء مطلوبا ومبغوضا لأحد ، سيّما للعالم بجميع الجزئيّات ، فكيف يأمر بشيء هو فرد لما نهى عنه؟! (١)
والقول بأنّ جهة المطلوبيّة غير جهة المبغوضيّة ، لا ينفع ؛ لأنّ متعلّق الجهتين واحد ، فيكون شيء واحد مطلوبا ومبغوضا.
وبأنّ العرف كما يفهم التخصيص من الأمر بالخاصّ المطلق بعد النهي عن العامّ المطلق أو بالعكس ، كذلك يفهمه من الأمر بالعامّ من وجه بعد النهي عن عامّ من وجه آخر أو بالعكس ، فالشارع إذا أمر بالصلاة مطلقا ، ونهى عن التصرّف في المكان المغصوب كذلك ، يفهم العرف أنّ المأمور به الصلاة التي وقعت في غير المكان الغصبي ، أو (٢) المنهيّ عنه التصرّف الذي [ هو ](٣) غير الصلاة ، وتعيّن (٤) أحدهما من جهة قوّته بالمؤيّدات الخارجيّة من الأدلّة وعمل الفقهاء.
وهنا (٥) رجّح طرف النهي ؛ لكونه أقوى ؛ لاعتضاده بعمل الأصحاب (٦) إلاّ ما شذّ (٧) ؛ ولأنّ العبادة إذا كانت محتملة للوجوب والحرمة ، يرجّح جانب التحريم ؛ لما ورد من التثبّت والكفّ عند تعارض الأمر والنهي (٨) ، وللاستقراء ؛ فإنّه يدلّ على أنّ دأب الشارع في أمثال المقام ترجيح الكفّ ، كصلاة الحائض في أيّام الاستظهار وأمثالها.
__________________
(١) راجع : المحصول ٢ : ٢٩١ ، والإحكام في أصول الأحكام ١ : ١٥٩ ، ومعالم الدين : ٩٤ ، والوافية : ٩١.
(٢) في « ب » : « و ».
(٣) أضفناه بمقتضى لزوم كون الصلة جملة أو شبهها.
(٤) في « ب » : « تعيين ».
(٥) أي في مسألة الصلاة والغصب ونحوها ممّا كان أحد العنوانين عبادة.
(٦) يعلم ذلك بالمراجعة إلى كتب الفقه.
(٧) كذا في النسختين. والأولى « إلاّ من شذّ » كما في قوانين الاصول ١ : ١٥٣.
(٨) مثل ما دلّ على ترك الحائض الصلاة أيّام الاستظهار. راجع : الكافي ٣ : ٧٧ ، باب المرأة ترى الدم قبل أيّامها أو بعد طهرها ، ح ٢ و ٣ ، وتهذيب الأحكام ١ : ١٧١ ، ح ٤٨٨ ، و ٢٤٨ ، ح ٧١٢ ، و ٤٠١ ، ح ١٢٥٣ ، و ٥ : ٤٠٠ ، ح ١٣٩٠. وما دلّ على الكفّ عن الوضوء من الماءين : أحدهما نجس. منها : ما في الكافي ٣ : ١٠ ، باب الوضوء من سؤر الدوابّ والسباع والطير ، ح ٦ ، ووسائل الشيعة ١ : ١٥١ و ١٥٥ ، أبواب الماء المطلق ، الباب ٨ ، ح ٢ و ١٤.