من الخياطة ، فالأمر بها لا ينافي النهي عنه (١).
والحقّ أنّ هذا الفرق غير مفيد ؛ لأنّ الكون في المكان المخصوص من لوازم الخياطة وإن لم يكن من أجزائها ، ولا معنى للأمر بشيء والنهي عن لوازمه ؛ لأنّ الأمر بالشيء أمر بما لا يتمّ الشيء إلاّ به ، كما عرفت (٢).
والجواب (٣) : بأنّ ما هو من لوازم الخياطة مطلق الكون ، لا الكون في المكان المخصوص ؛ لأنّ أشخاص الخياطة لا تتبدّل بتبدّل الأمكنة ، بخلاف الصلاة في الدار المغصوبة ؛ فإنّ هذا الكون المخصوص من أجزائها ؛ لأنّ أشخاصها تتبدّل بتبدّل الأمكنة. غير صحيح ؛ لعدم تعقّل الفرق بينهما ، مع أنّه يمكن إيراد (٤) مثال كان مساويا لما نحن فيه ضرورة ، وهو أن يأمر السيّد عبده بمقدار معيّن من المشي في كلّ يوم ، ونهاه عن الدخول في موضع خاصّ ، فمشى فيه.
فالحقّ في الجواب أن نمنع (٥) حصول الإطاعة مع النهي المذكور ؛ فإنّه يدلّ على أنّ الكون المطلوب في الصلاة غير الكون في المكان المغصوب.
وثانيهما : أنّه لو اتّحد متعلّق الأمر والنهي ، لكان القول بالمنع موجّها ، وأمّا إذا لم يكن كذلك ، فلا يتصوّر منع ، وهنا كذلك ؛ فإنّ متعلّق الأمر مطلق الصلاة ، ومتعلّق النهي مطلق الغصب ، وهما مفهومان متغايران يتعقّل انفكاك كلّ منهما من الآخر ، إلاّ أنّ المكلّف جمعهما في مادّة واحدة مع إمكان عدمه ، وذلك لا يخرجهما عن حقيقتهما ، فهما باقيان على اختلافهما الذاتي ، فيكون متعلّق الأمر طبيعة كلّيّة ، ومتعلّق النهي طبيعة اخرى ، إلاّ أنّهما اجتمعتا في ضمن شخص واحد هو الصلاة في الدار المغصوبة (٦).
__________________
(١) أجاب به الشيخ حسن في معالم الدين : ٩٤.
(٢) أي في مقدّمة الواجب ، راجع ص ١٣٤ ، الفصل ١٣. واعلم أنّ ما قاله المصنّف في تعليل مدّعاه يتوقّف على كون لازم الشيء ـ وهو معلوله ـ مقدّمة له ـ وهي علّته ـ وفيه ما لا يخفى.
(٣) أي الجواب عن احتجاج الخصم.
(٤) في « ب » : « أن يراد ».
(٥) في « ب » : « يمنع ».
(٦) حكاه الشيخ حسن في معالم الدين : ٩٥.