والجواب : أنّ التكليف وإن تعلّق ظاهرا بالطبائع ، إلاّ أنّ تعلّقه حقيقة بالجزئيّات ، فمتعلّق التكليف في الصلاة أفراد الصلاة التي يختارها المكلّف ، وكذا في الغصب. ولا شكّ أنّ كلّ واحد من الأفراد التي يختارها المكلّف شخص (١) بسيط ليس فيه تركيب خارجي ، فالصلاة في الدار المغصوبة شخص بسيط متعلّق الأمر والنهي معا ؛ فإنّ الكون الذي هو جزء الصلاة ومأمور به هو بعينه الغصب الذي تعلّق به النهي ، وليست هذه الصلاة مركّبة من طبيعتين تركّبا خارجيّا يكون أحدهما متعلّق الأمر (٢) ، والاخرى متعلّق النهي ، بل التركيب بمجرّد تحليل العقل ، وهو غير مفيد في المقام (٣).
ثمّ لا يخفى أنّ ما قال الأشعري هنا (٤) يمكن أن يقال بعينه في الصورة الرابعة ، بأن يقال : إذا قال : « أكرم العلماء ولا تكرم زيدا » وكان عالما ، فأكرم زيدا ، يكون مطيعا وعاصيا بالدليلين المذكورين (٥).
والجواب الجواب ، إلاّ أنّه قيل : عدم الجواز فيها متّفق عليه كما أشرنا إليه (٦). ولعلّ بناء الفرق على أنّ هذه الصورة (٧) على قسمين :
أحدهما : ما ينفكّ المنهيّ عنه عن المأمور به دون العكس ، كما إذا نهى عن إكرام العلماء ، وأمر بإكرام زيد وكان عالما.
وثانيهما : ما ينفكّ المأمور به عن المنهيّ عنه دون العكس ، كالمثال الذي ذكر أوّلا من الأمر بإكرام العلماء والنهي عن إكرام زيد ، وكمطلق الصوم وصوم يوم النحر. وفي كلّ منهما متعلّق الأمر والنهي فيه واحد ، أي ماهيّة واحدة ، ولا فرق بين المتعلّقين إلاّ بالإطلاق والتقييد. فيعلم أنّ الغرض حمل المطلق على المقيّد ؛ إذ النهي عن فرد خاصّ ـ مثلا ـ دليل
__________________
(١) في « ب » : « مشخّص ».
(٢) كذا في النسختين ، والصحيح : « إحداهما متعلّقة الأمر ».
(٣) أي تحليل العقل لا يمنع عن سراية كلّ من الأمر والنهي إلى متعلّق الآخر.
(٤) راجع المحصول ٢ : ٢٨٥ ـ ٢٩٠.
(٥) من دون حمل للعامّ على الخاصّ.
(٦) تقدّم في ص ١٤٦.
(٧) أي الصورة الرابعة.