ولو قال : « لو فعلت ما ليس فيه رضى فعليّ كذا » فترك إحدى الواجبات ، ففيه الوجهان ، وقد عرفت الحقّ.
فصل [٢١]
الفهم شرط التكليف ، وبه قال أصحابنا وكلّ من أحال تكليف المحال (١) ؛ للزومه لولاه ، ولو لم يكن شرطا له لصحّ تكليف البهائم.
وقد ورد أخبار كثيرة بأنّ التكليف يتوقّف على فهم المكلّف وعلمه (٢). ويدلّ عليه بعض الآيات (٣) أيضا.
واحتجّ المخالف : بأنّه تعلّق بالصبي والمجنون ضمان ما أتلفاه (٤) ، ومع اشتراط التكليف بالفهم لا معنى لضمانهما.
واجيب : بأنّه ليس بتكليف ، بل من الأسباب ، والمكلّف بها الوليّ ، وعلى تقدير تعلّق التكليف بهما ـ نظرا إلى دخول الحكم الوضعي في الشرعي ـ لا منع أيضا ؛ لأنّه يجوز التخلّف عن الأصل باعتبار النصّ. ومن ذلك صحّة جميع ما تعلّق بغير المكلّفين من الأحكام الوضعيّة على فرض الثبوت ، كضمان النائم والسكران ما أتلفاه. وقد تقدّم أيضا ما ينفع في المقام (٥).
واحتجّ أيضا : بأنّه تعالى خاطب السكران بقوله : ( يا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا لا تَقْرَبُوا الصَّلاةَ وَأَنْتُمْ سُكارى حَتَّى تَعْلَمُوا ما تَقُولُونَ )(٦) ، ومخاطبة السكران من باب التكليف بمن لا يعلم (٧).
__________________
(١) كذا في النسختين. والأولى : « التكليف بالمحال ».
(٢) منها : ما في التوحيد : ٤١٠ ـ ٤١٣ ، باب التعريف والبيان والحجّة والهداية ، ح ٢ ـ ٤ و ٧ ـ ١١ ، ومنها : حديث رفع القلم ، كما في بحار الأنوار ٤٠ : ٢٧٧ ، ح ٤١ ، ومنها : حديث الرفع ، كما في الخصال ٢ : ٤١٧ ، باب التسعة ، ح ٩ ، ووسائل الشيعة ١٥ : ٣٦٩ ، أبواب جهاد النفس ، الباب ٥٦ ، ح ١.
(٣) منها : قوله تعالى : ( لا يُكَلِّفُ اللهُ نَفْساً إِلاَّ ما آتاها ) ، الطلاق (٦٥) : ٧.
(٤) حكاه الآمدي في الإحكام في أصول الأحكام ١ : ٢٠٠.
(٥) أجاب به الآمدي في المصدر.
(٦) النساء (٤) : ٤٣.
(٧) راجع الإحكام في أصول الأحكام ١ : ٢٠١.