فصل [١]
الخبر حقيقة في القول المخصوص ، ويطلق مجازا على بعض الدلائل والإشارات ، كما يقال : « النجم الفلاني يخبر أنّ الليل قد انتصف » و « يخبرني عينه ما في قلبه ». وقد يطلق على حكم الذهن بأمر على آخر ، ويقال له : الخبر العقلي ، كما يقال للأوّل : اللفظي. وهذا الإطلاق ليس حقيقيّا (١) ؛ لأنّ الخبر حقيقة في اللفظ المركّب الخاصّ ، بل بعضهم (٢) لم يجوّزه مجازا أيضا.
ثمّ من الناس (٣) من قال : إنّ الخبر لا يحدّ ؛ لبداهته ؛ لأنّ كلّ أحد يعرف أنّ معنى قوله : « أنا موجود » نسبة الوجود إليه ، وإذا كان هذا الخبر الخاصّ بديهيّا ، فمطلق الخبر أيضا يكون كذلك ؛ لكونه جزءا له.
ولأنّ (٤) التمايز بين الخبر والإنشاء يعرفه كلّ أحد بالضرورة ، ولذا يورد كلاّ منهما في موضعه ، ولا يورد أحدهما في موضع الآخر ، وهو يتوقّف على العلم بالمتمايزين.
والجواب عن الأوّل : أنّ المسلّم أنّه علم نسبة الوجود إليه ، أي حصل في نفسه هذه النسبة مع باقي ما يتمّ به الخبر ، وهو (٥) غير تصوّر ماهيّة الخبر.
وبيان ذلك : أنّه قد يحصل (٦) بعض الأشياء بنفسه في النفس من دون تصوّر ماهيّته ؛ فإنّ أكثر النفوس لم يتصوّر ماهيّات بعض الصفات الحاصلة فيه ، كما يتّفق أنّ العالم بعلم لم يتصوّر حقيقة العلم ، والشجاع لم يتصوّر ماهيّة الشجاعة ، وصاحب المروءة لم يتصوّر ماهيّة المروءة ، وهكذا ؛ فيظهر منه أنّ حصول الشيء بنفسه ـ أي العلم الحضوريّ ـ غير
__________________
(١) في « ب » : « حقيقة ».
(٢) حكاه العلاّمة عن المعتزلة في نهاية الوصول إلى علم الأصول ١ : ٢٨٤ ـ ٢٨٥ ، والكلباسي في الرسائل الرجاليّة ١ : ٤١٧.
(٣) ذهب الفخر الرازي إلى غناه عن التعريف في المحصول ٤ : ٢٢١ ، وراجع أيضا : منتهى الوصول لابن الحاجب : ٦٥ ، وشرح مختصر المنتهى ١ : ١٤٥ و ١٤٦.
(٤) تعليل ثان للبداهة ، لا لعدم إمكان الحدّ.
(٥) أي العلم بنسبة الوجود إليه.
(٦) في « ب » : « حصل ».