ويتفرّع على هذا الخلاف أنّه إذا قال المنكر : « إن شهد لك زيد فهو صادق » يكون إقرارا على المذهب المختار ومذهب الجاحظ ؛ لامتناع الصدق مع البراءة.
وفيه : أنّه يمكن أن يكون اعتقاد المخبر (١) استحالة شهادة زيد ، والمحال قد يستلزم محالا آخر.
ولا كلام في عدم كونه إقرارا على مذهب النظّام.
ولو قال المدّعي بعد إقامة البيّنة : « كذب شهودي » يسقط دعواه على المذهبين الأوّلين دون الآخر. ولو قال : « لم يصدق شهودي » يسقط على المذهب الحقّ دون الآخرين. وفي حكم السقوط ثبوت الإقرار لو قال له المنكر : « صدق شهودك » أو « لم يكذبوا ».
تقسيم
الخبر باعتبار ينقسم إلى ما يعلم صدقه إمّا بالضرورة ، كالمتواتر ، أو بالنظر ، كخبر الله ، وخبر النبيّ صلىاللهعليهوآلهوسلم والمحتفّ بالقرائن. ووقوع المتشابهات التي اريد خلاف ظاهرها ، والعمومات المخصّصة ، والمطلقات المقيّدة في كلامهما لا ينافي الصدق ؛ لأنّه من لوازم المحاورات ، وقد نصب القرينة الدالّة على المراد للمخاطبين.
وإلى ما يعلم كذبه بالضرورة ، أو النظر (٢). والمثال ظاهر.
وإلى ما لا يعلم صدقه ولا كذبه ، وهو على ثلاثة أقسام : ما يظنّ صدقه ، كخبر العدل ، وما يظنّ كذبه ، كخبر الكاذب ، وما يشكّ فيهما ، كخبر مجهول الحال.
وقال بعض الناس (٣) : كلّ خبر لا يعلم صدقه فهو كذب.
وهذا فاسد ؛ لبداهة كون الجهل واسطة بين العلم بشيء والعلم بنقيضه ؛ وللزوم ارتفاع النقيضين لو أخبر رجل بقيام زيد مثلا في وقت ، وأخبر آخر بعدم قيامه فيه.
ويظهر فائدة هذا الخلاف في الأيمان ، والتعليقات ، وأمثالهما.
__________________
(١) كذا في النسختين. والأنسب : « المنكر ».
(٢) في « ب » : « بالنظر ».
(٣) نسبه القاضي عضد الدين إلى بعض الظاهريّة في شرح مختصر المنتهى ١ : ١٥٠.