فصل [٣]
ينقسم الخبر باعتبار آخر إلى متواتر وآحاد.
والمتواتر : خبر جماعة يفيد بنفسه العلم بصدقه. وقيل : أخبار جماعة يمتنع عادة تواطؤهم على الكذب (١).
والحقّ ـ كما ذهب إليه أكثر العقلاء ـ : أنّه يجوز تحقّق خبر يفيد بنفسه العلم ؛ لكثرة المخبرين ، وقد وقع ، كالخبر بوجود البلاد النائية والامم الماضية ، كمكّة وسائر المدن المعروفة ، والأنبياء وباقي الأقوام المشهورة. فإنّا نجد من أنفسنا العلم بها كما نجد منها العلم بالمحسوسات ، ولا ريب في استناد علمنا إلى الخبر.
وخالف السمنيّة (٢) والبراهمة (٣) في ذلك ، فقال قوم منهم : لا يمكن تحقّق خبر يفيد العلم ، بل الممكن تحقّق ما يفيد الظنّ (٤). وقال آخرون بإمكانه فيما يوجد في زمان الخبر ، لا فيما سلف.
واحتجّوا بوجوه ضعيفة :
منها : أنّه كما يجوز الكذب على كلّ واحد منهم حالة الانفراد ، فكذا يجوز عليه في حالة الاجتماع ؛ فإنّ الجملة هي الأفراد بشرط الاجتماع (٥).
والجواب : أنّ حكم الجملة قد يخالف حكم الآحاد ، وهذا بديهيّ.
ومنها : لو حصل القطع من الخبر المتواتر لما فرّقنا بين ما مثّل ، وبين علمنا بأنّه لا واسطة بين النفي والإثبات ، وبأنّ الأربعة زوج ، مع أنّ الفرق ظاهر (٦).
وجوابه : أمّا على القول بكون العلم الحاصل من المتواتر نظريّا (٧) : فظاهر ؛ لأنّ الفرق باعتبار النظريّة والضرورة.
__________________
(١) ذهب إليه ابن الحاجب في منتهى الوصول : ٦٩ ، والقاضي عضد الدين في شرح مختصر المنتهى : ١٥٣.
(٢) في القاموس المحيط ٤ : ٢٣٨ ، « سمن » : « السّمنيّة ـ كعرنيّة ـ قوم بالهند دهريّون قائلون بالتناسخ ».
(٣) المصدر : ٨١ ، « برهمة » : « البراهمة قوم لا يجوّزون على الله تعالى بعثة الرسل ».
(٤) راجع الذريعة إلى أصول الشريعة ٢ : ٤٨١.
(٥ و ٦) راجع معالم الدين : ١٨٤.
(٧) نسبه السيّد المرتضى إلى أبي القاسم البلخي ومن وافقه في الذريعة إلى أصول الشريعة ٢ : ٤٨٥ ، ونسبه ابن الحاجب إلى الكعبي والبصري في منتهى الوصول : ٦٨ ، ومختصر المنتهى : ١٥٢.