فصل [٤]
يشترط في صحّة التواتر شروط ، بعضها في المخبرين ، وبعضها في السامعين :
والأوّل أربعة :
الأوّل : أن يبلغ عددهم في الكثرة حدّا يمتنع معه عادة تواطؤهم على الكذب. ووجه اشتراطه ظاهر.
والحقّ أنّه لا يشترط فيه عدد خاصّ ، بل الضابط فيه ما يفيد العلم ، وهو يختلف باختلاف القرائن والوقائع ، وأحوال المخبرين والسامعين. وتفاوت كلّ منها يوجب اختلاف العدد بحيث لا يمكن حصره ، فكيف إذا تركّب بعضها مع بعض. ولو كان العدد المخصوص معتبرا لما وقع الاختلاف؟
وأيضا يحصل لنا العلم من الأخبار المتواترة من غير تنبّه (١) لعدد مخصوص ، ولو كان شرطا ، لتوقّف حصوله على حصوله.
واجيب عنه : بأنّ التوقّف على حصوله في الواقع ، لا على العلم به (٢).
وفيه : أنّ حصول العلم لو كان مسبّبا عن عدد خاصّ ، لعلم حصوله عند حصوله ، مع أنّه يحصل لنا العلم من الأخبار المتواترة ولا ننتقل منه إليه.
ثمّ لمّا كان حصول العلم من الخبر المتواتر تدريجيّا ـ لأنّه إذا سمع من واحد أفاد ظنّا ، وكلّما تكرّر قوي ، وهكذا يتقوّى بتدريج إلى أن يصير علما ـ فحصول العلم بعدد التواتر يتوقّف على ضبطه تدريجا ، وهذا مع صعوبته موجب لاختلافه للأسباب المذكورة.
هذا ، ولكن يجب في المتواتر أن يكون للتعدّد والكثرة دخل في إفادة العلم وإن اختلف بالامور المذكورة ، فيخرج الخبر المحفوف بالقرينة.
ثمّ القائلون باشتراط العدد الخاصّ اختلفوا فيه على أقوال شتّى (٣). ولكلّ قول شبهة
__________________
(١) في « ب » : « تنبيه ».
(٢) أجاب به الباجي في إحكام الفصول : ٢٤٦.
(٣) راجع : الإحكام في أصول الأحكام ٢ : ٣٧ و ٣٨ ، والمحصول ٤ : ٢٦٥ و ٢٦٦ ، ومنتهى الوصول لابن الحاجب : ٧٠ ، وشرح مختصر المنتهى ١ : ١٥٤.