وكذا أهواء كلّ واحد منهم في النقل وعدمه ممّا يقع فيه التفاوت ؛ فبعضهم يعتني بالإظهار ، وبعض آخر بالكتمان ، وآخر لا يبالي بشيء منهما ؛ فتفاوت النقل في كلّ قضيّة اشتهارا وخفاء بقدر تفاوت الامور الثلاثة زيادة ونقصانا ، فاشتهار كلّ معجزة بقدر ما يقتضيه توفّر الدواعي على نقله ، وعدد المطّلعين عليه ، وسعيهم في إظهاره. فإن فرض شيء توفّر الدواعي على نقله ، ولو وجد لكان المطّلعون عليه كثيرا ، ومع ذلك لم يشتهر ، فإن تفرّد بنقله واحد يحكم بكذبه ؛ لأنّ مقتضى توفّر الدواعي وكثرة المطّلعين أكثر من ادّعاء واحد ، فلو ادّعى واحد بأنّ القرآن عورض بمثله ولكن لم ينقل ، يكون كاذبا.
فصل [١٠]
التعبّد بخبر الواحد عقلا جائز وفاقا ، وخلاف ابن قبة من أصحابنا (١) وجماعة من أهل الخلاف (٢) لا اعتداد به ؛ لأنّه لا يلزم منه محال في العقل ، ولا نعني منه (٣) سواه. وحجّتهم (٤) واهية ، فالأولى عدم الالتفات إليها.
والحقّ وقوعه بالشروط الآتية (٥) ـ أي حجّيّته ووجوب العمل (٦) به ـ وفاقا لأعلام المتأخّرين (٧) ، وخلافا لأعيان القدماء (٨).
لنا وجوه من الأدلّة :
منها : أنّ باب العلم القطعي في أمثال زماننا مسدود إلاّ فيما علم ضرورة وهو قليل ، لما
__________________
(١) حكاه عنه السيّد المرتضى في الذريعة إلى أصول الشريعة ٢ : ٥١٧ ، والمحقّق الحلّي في معارج الاصول : ١٤٠ ، والشيخ حسن في معالم الدين : ١٨٩.
(٢) منهم أبو علي الجبائي ، وابن الحاجب كما في منتهى الوصول : ٧٣ ، والقاضي عضد الدين في شرح مختصر المنتهى ١ : ١٥٩.
(٣) أي من الجواز العقلي سوى عدم لزوم المحال.
(٤) ذكرها ابن الحاجب في منتهى الوصول : ٧٣ و ٧٤ ، والقاضي عضد الدين في شرح مختصر المنتهى ١ : ١٥٩.
(٥) في ص ٢٤١ ، الفصل ١١.
(٦) تفسير للضمير المجرور في « وقوعه ».
(٧) كالمحقّق الحلّي في معارج الاصول : ١٤٠ ، والشيخ حسن في معالم الدين : ١٨٩ ، وكلّ من قال بانفتاح باب العلم بالأحكام.
(٨) كالسيّد المرتضى في الذريعة إلى أصول الشريعة ٢ : ٥٢٨ و ٥٥٤ ، وحكاه الشيخ حسن عن ابن زهرة وابن البرّاج وابن إدريس في معالم الدين : ١٨٩ ، وكلّ من قال بانسداد باب العلم بالأحكام.