عند آخر. فقول كلّ واحد من المعدّل والجارح في حقّ من ارتكب هذا الفعل ليس حجّة لمن يريد العمل حتّى يعلم أنّه ما هو؟ ليظهر له هل هو موجب للجرح عنده ، أم لا؟
والحقّ : عدم الفرق في ذلك بين التعديل والجرح ؛ لأنّه كما لا يكفي الإطلاق في الجرح باعتبار الاختلاف في أسبابه ، فكذا الحكم في التعديل ؛ لأنّه يتبعه في ذلك ؛ لأنّ العدالة تتوقّف على اجتناب الكبائر مثلا ، فربما لم يكن بعض الذنوب كبائر عند المعدّل ولم يقدح فعلها عنده في العدالة ، فيعدّل مرتكبها وهو فاسق عند الآخر ؛ لكونها كبائر عنده.
والفرق بأنّ التعديل بذكر السبب يتوقّف على ذكر جميع أسبابه وهي كثيرة يصعب ذكرها بخلاف الجرح ؛ فإنّه يثبت بسبب واحد ، لا يدفع ما ذكر.
[ الأمر ] الثاني : الثقة العالم الورع المطّلع على سرّ اشتراط العدالة واختلاف الناس فيها وفي أسبابها وأسباب الجرح إذا صنّف كتابا في تعديل الرجال وجرحهم لأن يكون مرجعا للعلماء وهداية لهم ، وعرف التعديل ، أو الجرح من سبب لم يكن سببا عند كثير ممّن يرجع إلى كتابه ، وكان عالما بذلك ، ومع ذلك اكتفى فيهما بالإطلاق ، كان مدلّسا ، وهو قادح في عدالته.
والجواب : بأنّه قد يبنى الجرح والتعديل على اعتقاده فيما يراه جرحا وتعديلا ، أو بأنّه ربما لم يعرف الخلاف ولم يخطر بباله أصلا ، فلا تدليس ، لا يجري فيما نحن فيه.
لأنّ الأوّل إنّما يجوز في مقام الاجتهاد والفتوى لمن يستفتيه ويقلّده ، أو في مقام الشهادة لمن يريد العمل بقوله مع علمه باتّفاقهما فيما يتحقّق به العدالة والجرح ، لا في مقام الشهادة لجمّ غفير من الناس مختلفين فيما يتحقّق به العدالة والجرح ، كما هو شأن علماء الرجال ؛ فإنّ تعديلهم وجرحهم من باب الشهادة ، ويعتقدون أنّ ما ذكروه حجّة لمن يأتي بعدهم من العلماء والمحدّثين ، ويعلمون أنّهم يلتزمون العمل بقولهم مع اختلاف آرائهم في أسباب الجرح والتعديل ، وعدم جواز التقليد لهم ؛ لكونهم من أهل الاجتهاد مكلّفين بما اقتضت آراؤهم في باب التعديل والجرح. فلو زكّوا رجلا أو جرحوه بسبب وقع الخلاف في سببيّته ولم يذكروه ، بل اكتفوا فيهما بالإطلاق ، لزم التدليس إن اعتقدوا حجّيّة قولهم لأهل العلم بالإطلاق ، أو عدم الفائدة في أقوالهم وتصانيفهم إن اعتقدوا عدم حجّيّته ، ولزوم الفحص