تذنيب
لا خلاف في أنّ الفتوى والحكم ليسا من الشهادة ، بل هما كالرواية ؛ لأنّ المفتي والحاكم ناقلان عن الله إلى الخلق ؛ لأنّهما وارثا المعصوم ، فلا يشترط فيهما التعدّد.
والفرق بينهما ـ كما قيل ـ : أنّ الفتوى مجرّد إخبار عن حكم الله في القضيّة ، والحكم إنشاء إطلاق ، أو إلزام في المسائل الاجتهاديّة وغيرها مع تقارب المدارك فيها ممّا ينازع فيه الخصمان لمصالح المعايش. والإطلاق والإلزام نوعا الحكم. فالأوّل كالحكم بإطلاق المسجون ونحوه. والثاني كإلزام أحد الخصمين بإعطاء ما يدّعي عليه الآخر (١).
ويخرج من قوله : « مع تقارب المدارك » ما ضعف مدركه كالعول والتعصيب ، فلو حكم به حاكم وجب نقضه.
ومن قوله : « لمصالح المعايش » العبادة ؛ فإنّه لا مدخل للحكم فيها ، فلو حكم حاكم ببطلان عبادة زيد لم يلزم منه بطلانها ، بل إن كانت باطلة في نفس الأمر فذاك ، وإلاّ فهي صحيحة.
ثمّ الحكم لمّا كان إلزاما لقطع النزاع ، فلا يجوز نقضه لحاكم آخر وإن كان مخالف رأيه ، بخلاف الفتوى ؛ فإنّه مجرّد إخبار بحسب اعتقاد المفتي ، فلو كان مخالفا لاعتقاد مفت آخر يجوز نقضه. فمسائل العبادة يجوز نقضها مطلقا إذا علم المخالفة ؛ لأنّ الإخبار عنها لا يكون إلاّ بعنوان الفتوى دون الحكم. وغيرها إن كان بعنوان الفتوى يجوز لمفت آخر نقضها ، وإن كان بعنوان الحكم فلا يجوز.
ولو اشتمل قضيّة على أمرين : أحدهما من مصالح العبادة ، وثانيهما من مصالح المعاش ، فيلحق كلاّ منهما حكمه ، كما لو حكم بصحّة حجّ من أدرك اضطراريّ المشعر وكان نائبا ؛ فإنّه لا يؤثّر في براءة ذمّة النائب في نفس الأمر ، ولكنّه يؤثّر في عدم رجوعهم عليه بالاجرة. وقس عليه أمثالها.
__________________
(١) قاله الشهيد في القواعد والفوائد ١ : ٢٤٨ ، الفائدة ١.