فصل [١٩]
أجمع الأصحاب على جواز نقل الحديث بالمعنى مطلقا للعارف بمواقع الألفاظ مع عدم قصور الترجمة عن إفادة ما يفيده الأصل ، وتساويهما في الجلاء والخفاء ؛ لأنّ الخطاب قد يقع بالمحكم أو المتشابه لحكمة خفيّة ، فلا يجوز تغييره. وأمّا لغيره ، فلا يجوز وفاقا.
والدليل عليه ـ بعد الإجماع ـ كون المقصود من التخاطب إفادة أصل المعنى من غير اعتبار باللفظ ؛ والأخبار المستفيضة من طرقنا (١) ؛ والقطع بنقل الأحاديث عن النبيّ والأئمّة ـ صلوات الله عليهم ـ في وقائع متّحدة بألفاظ مختلفة ، ولا ريب في أنّ قولهم واحد ، والباقية نقل بالمعنى ؛ وما روي عن جمع من الرواة أنّهم قالوا : « قال النبيّ صلىاللهعليهوآلهوسلم » أو « واحد من الأئمّة عليهمالسلام كذا (٢) ، أو نحوه » ؛ والقطع بتفسير الحديث بالعجميّة ، فبالعربيّة أولى ؛ وما ورد في القرآن من القصّة الواحدة بألفاظ مختلفة (٣) مع أنّها إمّا وقعت بغير العربيّة ، أو بعبارة واحدة منها ، بل نعلم أنّ جميع القصص القرآنيّة لم تقع بهذه الألفاظ والنظم ، فإن وقعت بالعربيّة ، وقعت بعبارة اخرى ؛ للقطع بكون القرآن معجزة ، فلا يقدر البشر أن يأتي بهذه الألفاظ بهذا النظم والتأليف.
هذا ، وذهب بعض العامّة إلى عدم جوازه مطلقا (٤). وذهب بعض آخر إلى جوازه بلفظ مترادف ـ أي تبديل ألفاظ الحديث بألفاظ ترادفها ـ وعدم جوازه بغيره (٥).
والأدلّة المذكورة تدفع القولين.
__________________
(١) منها ما في الكافي ١ : ٥١ ، باب رواية الكتب والحديث ... ، ح ٢ و ٣ و ٥.
(٢) للاستدلال بقوله : « أو نحوه » راجع مقباس الهداية ٣ : ٢٥٣.
(٣) كقصّة موسى على نبيّنا وآله وعليهالسلام.
(٤) نقلها ابن الحاجب عن ابن سيرين وأبي بكر الرازي وجماعة في منتهى الوصول : ٨٣ ، والقاضي عضد الدين في شرح مختصر المنتهى ١ : ١٧٨.
(٥) راجع المصدرين.