ثمّ إنّه أورد على التعريف المذكور إيرادان (١) :
أحدهما : أنّ « الأحكام » جمع معرّف باللام وهو يفيد العموم ، فيلزم منه أن لا يصدق « المجتهد » إلاّ على من كان عالما بجميع الأحكام ، وهذا لا يتمّ في حقّ أكثر المجتهدين ، بل جميعهم.
وأصحّ الأجوبة عنه أنّ المراد بالعلم بالأحكام هو التهيّؤ القريب له ، وإطلاق العلم عليه شائع ، سيّما في مباحث الفقه.
ولدفع هذا الإيراد زاد بعضهم في التعريف « فعلا أو قوّة قريبة » (٢).
والحقّ عدم الاحتياج إليه ؛ لما ذكر (٣).
وثانيهما : أنّ الفقه غالبا من باب الظنّ ؛ لابتنائه على أخبار الآحاد ، والإجماعات المنقولة ، والأدلّة الاصوليّة المفيدة للظنّ ، فكيف اطلق عليه العلم؟!
وأصحّ الأجوبة عنه أنّ المراد بالعلم معناه الأعمّ ، وهو ترجيح أحد الطرفين وإن لم يمنع من النقيض ، وهذا الإطلاق في المباحث الفقهيّة شائع.
اعلم أنّ الاصوليّين أجمعوا على جواز العمل بظنّ المجتهد في نفس الأحكام وموضوعاتها ، وبعض الأخباريّين على عدم جواز العمل به في الأوّل دون الثاني (٤) ، وبعضهم عليه مطلقا (٥).
واستدلّ الأخباريّون بالعمومات والإطلاقات الدالّة على المنع من الظنّ (٦).
ثمّ إنّهم لمّا قالوا بعدم جواز العمل بالظنّ اضطرّوا إلى القول بوجوب تحصيل اليقين في
__________________
(١ و ٢) راجع تمهيد القواعد : ٣٣ ، القاعدة ١.
(٣) أي التهيّؤ القريب له.
(٤) منهم الاسترآبادي في الفوائد المدنيّة : ١٨١.
(٥) لم نقف عليه من الأخباريّين. ونسبه البهبهاني إلى غير الأخباريّين في الفوائد الحائريّة : ١١٧ ، الفائدة ٦.
(٦) هي الآيات العامّة أو المطلقة الناهية عن العمل بالظنّ : منها قوله تعالى : ( إِنَّ الظَّنَّ لا يُغْنِي مِنَ الْحَقِّ شَيْئاً ) ، النجم (٥٣) : ٢٨ ؛ ومنها الآية ٣٦ من الإسراء (١٧). راجع الفوائد المدنيّة : ١٨٥ و ١٨٦.