والتحقيق : أنّه لا ريب في تخلّف المدلول عن الدالّ الوضعي في كلام النبيّ وغيره ، كتخلّفه عن الدالّ الفعلي أيضا. والحكم برجحان دلالة أحدهما بالوجوه المذكورة قد عرفت حاله (١).
والقول بأنّ فهم المقصود من دلالة اللفظ أظهر ، وإن جاز فيها تخلّف المدلول عن الدالّ في الخارج فيكون أقوى ، غير مسلّم ، ومع التسليم لا يصلح مرجّحا للعمل به دون الفعل ، فثبت أنّ الحكم برجحان دلالة أحدهما لا يخلو عن تعسّف ، مع أنّ ذلك لا يكفي للعمل به دون الآخر ، كما عرفت (٢).
فالحقّ حينئذ أن يتوقّف في كلّ موضع جهل التأريخ وحصل فيه التعارض بين الفعل والقول ، سواء كان في حقّه أو حقّ الامّة ، وكلّ موضع لم يحصل فيه التعارض في حقّ أحدهما أو كليهما ، فلا اشتباه ؛ لتعيّن العمل بأحدهما دون الآخر ، أو عدم لزوم العمل بشيء منهما. وهذا هو المعيار في معرفة أحكام الصور المندرجة تحت هذا النوع.
والفرق بين ما وقع فيه التعارض في حقّه وفي حقّ الامّة ـ بالحكم بالتوقّف في الأوّل ، والعمل بالقول في الثاني ؛ نظرا إلى أنّا متعبّدون بالعمل ، والتوقّف فيه إبطال للعمل ، ونفي للتعبّد به بخلاف الأوّل ؛ لعدم تعبّدنا بالعمل فيما هو حقّه عليهالسلام (٣) ـ لا يخفى ضعفه.
وبما ذكر يعرف حكم الصورة الثالثة من هذا الصنف ، وهي أن يكون القول عامّا لهما ؛ فإنّه يتحقّق في حقّهما التعارض ، ويكون الحكم التوقّف.
[ الصنف ] الثالث : أن يدلّ الدليل على التكرار دون وجوب التأسّي. وصوره الثلاث الشخصيّة مع أحكامها ظاهرة.
[ الصنف ] الرابع : عكس الثالث. وحكم صورة الثلاث أيضا ظاهر ممّا تقدّم ، فلا نطيل الكلام بذكرها.
إذا عرفت ذلك ، فكيفيّة التفريع لا تخفى عليك. مثلا : نقل أنّه عليهالسلام قام للجنازة وأمر به
__________________
(١ و ٢) تقدّم آنفا.
(٣) الفارق هو القاضي عضد الدين في شرح مختصر المنتهى ١ : ١٢١.