فصل [٢٦]
الحقّ أنّه قبل البعثة لم يكن متعبّدا بشرع أحد ممّن تقدّمه من الأنبياء ، بل كلّ ما تعبّد به حينئذ كان شرعا له ؛ لأنّه كان يوحى إليه حينئذ بأشياء تخصّه. وكذا بعد البعثة لم يكن متعبّدا بما لم ينسخ من شرع من تقدّمه.
ولم نعثر على مخالف من أصحابنا في المقامين إلاّ المرتضى (١) والعلاّمة في النهاية (٢) في المقام الأوّل ، فإنّهما توقّفا فيه.
وقد وقع الخلاف في المقامين بين الجمهور ، فبعضهم وافقنا فيهما (٣) ، وبعضهم خالفنا فيهما (٤) ، وبعضهم وافقنا في أحدهما دون الآخر (٥) ، وبعضهم توقّف (٦).
لنا : قوله تعالى : ( وَما يَنْطِقُ عَنِ الْهَوى )(٧).
وأنّه لو كان متعبّدا بشرع غيره للزم أفضليّته عليه صلىاللهعليهوآله ؛ لأنّ المتبوع أفضل من التابع ، وهو باطل إجماعا. ولقضت العادة بوقوع مخالطته لأهله ولو وقع لنقل. ولزم وجوب الفحص عليه عن ذلك الشرع ؛ ولو وجب عليه لفعله ، ولو فعله لاشتهر ؛ ولزم وجوب الفحص على الصحابة والتابعين والمجتهدين ، ووجب علينا تعلّم أحكام ذلك الشرع ، وكلّ ذلك باطل. ولافتخر أهله بذلك ، ولو افتخر وصل إلينا ولم يصل.
والقول بأنّ هذا يتمّ لو كان متعبّدا بشرع معيّن ، أمّا إذا كان متعبّدا بما ثبت أنّه شرع فلا يرد (٨) ، ضعيف جدّا ؛ لأنّ هذا لا يلائم طريقة أحد من الطوائف.
ولنا أيضا : ما روي أنّ عمر طالع ورقة من التوراة فغضب عليهالسلام وقال : « لو كان أخي
__________________
(١) الذريعة إلى أصول الشريعة ٢ : ٥٩٥.
(٢) نهاية الوصول إلى علم الأصول ٢ : ٥٢٥.
(٣) حكاه البصري عن أكثر المتكلّمين من أهل العدل وأبي علي وأبي هاشم في المعتمد ٢ : ٣٣٦ ، والشيخ في العدّة في أصول الفقه ٢ : ٥٩٠.
(٤ و ٥) نسبهما البصري إلى قوم في المعتمد ٢ : ٣٣٧.
(٦) نسبه البصري إلى أبي هشام في المصدر.
(٧) النجم (٥٣) : ٣.
(٨) حكاه العلاّمة في نهاية الوصول إلى علم الأصول ٢ : ٥٢٦.