ولا ريب في أنّه في الشرعيّات ليس إلاّ قول الشارع ؛ ودليل العقل إن أمكن أن يكون مستندا له فإنّما هو إذا علم أنّه ممّا لا يتخلّف الشارع عن مدلوله.
هذا ، وقد أورد بعض الشكوك على حجّيّة الإجماع ترد عليك مع جوابها في موضعها (١).
فصل [٣]
لا ريب في إمكان وقوعه ؛ لإمكان اطّلاع كلّ مجتهد على دليل حكم فيعتقده ، ويتّفق الآراء على ذلك فينعقد الإجماع ؛ وأيضا يأتي بيان إمكان العلم به (٢) ، بل وقوعه (٣) ، والوقوع العقلي (٤) يستلزم الوقوع الإمكاني.
واحتجّ المنكر بأنّ الاتّفاق لا بدّ له من مستند ، والظنّي لا يصلح مستندا له ؛ لأنّ العادة تحيل اتّفاق الأنظار المتباينة على أمر لأجله ، فتعيّن القاطع ، والعادة تحيل عدم نقله واشتهاره ، فإن لم ينقل علم عدمه ، وإن نقل استغني به عن الإجماع (٥).
وجوابه : أنّ الاتّفاق عن كليهما (٦) جائز.
أمّا عن الظنّي ، فلأنّ العمل به لازم على كلّ مجتهد إذا لم يوجد معارض أقوى منه ، سيّما إذا كان جليّا ، وإلاّ لزم ترجيح المرجوح. وبعد لزومه عليه لا بدّ من اتّفاق الآراء عليه ، وإنّما يمتنع اتّفاق القرائح المختلفة فيما لم يوجد له دليل يتعيّن العمل به.
وأمّا عن القطعي فظاهر. وعدم نقله لا يدلّ على عدمه ؛ لأنّه لمّا وجد ما هو أقوى منه استغني به عن نقله. ونقله لا يغني عن الإجماع ، ولا يجعله غير مفيد ؛ لأنّ تكثير الأدلّة فائدة يعتنى بها ، مع أنّ للعلم مراتب ، فربّما كان العلم الحاصل من الإجماع أقوى من الحاصل من دليله.
__________________
(١) في ص ٣٦٣ وما بعدها.
(٢) في ص ٣٤٩.
(٣) عطف على « إمكان » والضمير راجع إلى العلم دون الإجماع.
(٤) أي العلمي وفي « أ » : « الفعلي ».
(٥) نسبه الشيخ حسن إلى قوم في معالم الدين : ١٧٢ ، والقمّي إلى العامّة في قوانين الاصول ١ : ٣٤٩.
(٦) أي الظنّي والقطعي.