فصل [٤]
الحقّ إمكان العلم بالإجماع ، بل وقوعه (١) وثبوته في الجملة (٢) ؛ فإنّا نعلم قطعا اتّفاق الامّة على بعض الأحكام ، كوجوب الصلاة ومثلها ، واتّفاق الإماميّة على بعضها كحلّيّة المتعتين وشبهها (٣) ، واتّفاق الحنفيّة على انعقاد البيع الفاسد (٤) ، والشافعيّة على عدمه (٥). وما ذلك إلاّ لحصوله وثبوته عنهم.
وحصول هذا العلم إمّا بالتسامع وتطابق الأخبار عليه ، سواء كان الطريق متواترا أو آحادا. أو تتبّع أقوال خواصّ الامّة أو المذهب ، وربّما حصل من مشاهدة أعيان المجمعين وسماع أقوالهم إن اكتفي بالقول ، ومع القرائن الدالّة على مطابقة آرائهم لأقوالهم إن اشترط الرأي (٦) ، وهذا يمكن في أزمنة أصحاب الحجج فقط ، ولا يتناول غيرها.
ثمّ كلّ إجماع ليس ممّا يعلم ثبوته ، بل له مراتب مختلفة ؛ لأنّه إمّا قطعي أو ظنّي.
والأوّل إمّا بديهيّ للخواصّ والعوامّ من الامّة أو المذهب ، أو لخواصّ أحدهما ، كالاتّفاق على مسح الرّجلين (٧) ؛ فإنّ ثبوته بديهيّ عند خواصّ الإماميّة (٨) وإن لم يكن كذلك عند عوامّهم.
أو نظريّ ، وهو أن يحصل للمجتهد العلم به (٩) بعد بذل جهده واستفراغ وسعه : إمّا بأن لا يظفر على مخالف وادّعاه عدد التواتر أيضا ، وله اتّصال بالبديهيّ.
والقول بأنّه لا يثبت بالتواتر إلاّ ما كان محسوسا ، والإجماع تطابق آراء المجتهدين
__________________
(١) عطف على « إمكان » والضمير راجع إلى العلم دون الإجماع.
(٢) معناه إيجاب جزئي من حيث المعلوم والعالم.
(٣) راجع : المعتبر ٢ : ٧٨٥ ، والمهذّب البارع ٣ : ٣١٣.
(٤) بداية المجتهد ١ : ١٩٣.
(٥) المصدر.
(٦) أي القسم الثاني من الإجماع المحصّل.
(٧) راجع : المعتبر ١ : ١٤٨ ، وتمهيد القواعد : ٥٥ ، المسألة ١١.
(٨) قاله السيّد المرتضى في الذريعة إلى أصول الشريعة ٢ : ١٢٧ ـ ١٣٠ ، والمحقّق الحلّي في معارج الاصول : ١٣٢ ، والفاضل التوني في الوافية : ١٥٣.
(٩) أي بالوقوع.