فصل [٥]
مدرك حجّيّة الإجماع عندنا اشتماله على قول المعصوم عليهالسلام ، فمجرّد العلم به لا يكفي عندنا في حجّيّته ، بل لا بدّ فيها من العلم بدخول قوله عليهالسلام ، إلاّ أنّ أصحابنا ذكروا أنّ الأوّل ملزوم للثاني (١).
ولهم في بيان ذلك ثلاث طرق :
[ الطريق ] الأوّل (٢) : ما ذهب إليه جماعة منهم المرتضى رحمهالله (٣) ، وهو أنّه إذا علم اتّفاق جميع فقهاء الإسلام أو الشيعة على حكم ، علم دخول رئيسهم فيه وإن لم يتميّز شخصه ولا قوله. ويثبت ذلك من قياس واضح المقدّمات ، هو أنّ هذا الحكم ممّا أجمع عليه ـ مثلا ـ جميع خواصّ الدين أو المذهب ، وكلّ ما أجمع عليه جميع هؤلاء يكون رئيسهم من جملة المجمعين عليه ، فينتج المطلوب ؛ والصغرى ظاهرة بعد ما دريت من إمكان حصول القطع باتّفاق جميع خواصّ الدين أو المذهب على حكم ، والكبرى ضروريّة ؛ لبداهة اندراج المعصوم في جميع من يصدق عليهم لفظ « الخواصّ » وأمثاله.
وهذا الطريق يجري في كلّ إجماع كان في جملة المجمعين من يجهل أصله ونسبه ، وعلم عدم مخالف له أصلا ، أو عدم مخالف مجهول النسب ، ولا يضرّ مخالفة معلوم النسب ما لم تبلغ حدّا يقدح في العلم بعدم مخالفة مجهول النسب ؛ فإنّه إذا صار من خالف ممّن يعرف نسبه كثيرا ، شكّ في مخالفة مجهول النسب ، بل قد يظنّ أو يعلم ذلك ، فلا يقطع حينئذ بدخول المعصوم. ومنه يثبت استلزام مثل هذا الإجماع للاطّلاع على دخوله عليهالسلام فيه كلّيا ، ويكون حجّة لكشفه عنه.
والقول بأنّه لا يكاد يتحقّق إجماع علم دخوله في جملة المجمعين ولم يتميّز شخصه ؛ لامتناع حصول مثله في زمان الغيبة وهو ظاهر ، وفي زمان الحضور أيضا ؛ لأنّ المعصوم فيه
__________________
(١) أي العلم بالإجماع علّة للعلم بدخول قوله عليهالسلام.
(٢) هذا هو المعروف بالإجماع الدخولي.
(٣) الذريعة إلى أصول الشريعة ٢ : ١٢٨ و ١٢٩ ، والمحقّق الحلّي في معارج الاصول : ١٣٢ ، والشيخ حسن في معالم الدين : ١٧٣.