هذا ، مع أنّه ورد في طرقهم وقوعه ، كما رووا أنّ الصحابة اختلفوا في موضع دفن النبيّ صلىاللهعليهوآلهوسلم ، ثمّ اتّفقوا على قول عليّ عليهالسلام (١). وفي وجوب الغسل بالتقاء الختانين ، ثمّ اتّفقوا على وجوبه به (٢).
الثالثة : أن يتّفق أهل العصر الثاني على إحدى القولين اللذين اختلف أهل العصر الأوّل عليهما ، وهي كالتي قبلها جوازا وحجّة واستدلالا من دون تفاوت.
ويدلّ على وقوعه أيضا ما روي أنّ الصحابة اختلفوا في بيع امّهات الأولاد ، وأجمع من بعدهم على المنع منه (٣) ، ومنع عمر عن متعة العمرة إلى الحجّ ، ثمّ صار جوازه مجمعا عليه (٤) ، كما قال البغوي (٥).
واحتجّ المنكرون بوجوه (٦) لا يخفى فسادها على أحد ، ولذلك أعرضنا عنها.
وكيفيّة التفريع : أنّ المسائل التي كان أهل عصر فيها على قولين أو أكثر ، كمسألة القياس ، ومسألة القصر والإتمام ، وأمثالهما ، ثمّ اتّفق أهل العصر الثاني على أحد القولين أو الاثنين يكون اتّفاقهم حجّة لأهل العصر الثالث ، ولا يجوز لهم مخالفته.
فصل [٨]
الحقّ أنّ انقراض عصر المجمعين غير مشترط لانعقاد إجماعهم.
أمّا عندنا ؛ فلأنّ الحجّة قول المعصوم ، وهو في جملة أقوالهم انقرضوا أم لا.
وأمّا عند العامّة ؛ فلعموم الأدلّة.
ولعدم الخلاف في حجّيّة الإجماع بعد انقراض العصر ، فهي إمّا للاتّفاق ، أو للانقراض ، أو كليهما. والأخيران باطلان ، وإلاّ كان الموت مؤثّرا في حجّيّة القول ، فالحقّ الأوّل.
ولعدم تحقّق إجماع عادة لو كان الانقراض شرطا ؛ لتلاحق المجتهدين بعضهم بعضا ؛
__________________
(١) رواه ابن هشام في السيرة النبويّة ١ : ٣١٤.
(٢) راجع : المحصول ٤ : ١٣٥ و ١٣٦ ، ونهاية السؤل ٣ : ٢٨١.
(٣ و ٤) المصدر.
(٥) معالم التنزيل ١ : ١٧٠ ، ذيل الآية ١٩٦ من البقرة (٢).
(٦) راجع : المستصفى : ١٥٦ ، والإحكام في أصول الأحكام ١ : ٣٤٠ و ٣٤١ ، وسلّم الوصول المطبوع مع نهاية السؤل ٣ : ٢٨٠.