فصل [١٠]
إذا استدلّ أهل العصر بدليل أو أوّلوا تأويلا ، فالأكثر على أنّه يجوز لمن بعدهم إحداث دليل أو تأويل آخر. وهو حقّ ؛ لأنّه لم يزل العلماء في الأعصار يستخرجون الأدلّة والتأويلات من غير نكير (١).
نعم ، إن كان التأويل الثاني مبطلا للأوّل ، فالظاهر عدم جوازه ؛ للزوم مخالفة الإجماع ، فلو أوّل (٢) الأوّلون المشترك بأحد معنييه لم يجز لمن بعدهم حمله على المعنى الآخر إن تنافيا ، وإن لم يتنافيا ، فإن جوّز استعمال المشترك في إطلاق واحد في معنييه حقيقة ـ بأن يكون من عموم الاشتراك ـ أو حقيقة ومجازا ـ بأن يكون من عموم المجاز ـ فجاز ، وإلاّ لم يجز.
فصل [١١]
اتّفق أصحابنا (٣) ـ إلاّ من شذّ (٤) ـ على أنّ الإجماع السكوتيّ ـ وهو قول البعض وسكوت الباقين مع معرفتهم به ـ ليس إجماعا ولا حجّة ؛ لأنّ السكوت أعمّ من الرضاء ، ويمكن أن يكون للتوقّف ، أو التعظيم ، أو للتقيّة ، أو التصويب ، أو غيرها.
ولذا قيل : لا ينسب إلى ساكت قول (٥). وربّما أفاد (٦) ظنّا لا يصلح مثله لتأسيس الحكم الشرعي. وقد يعلم بالقرائن موافقة الساكتين للمصرّحين ، وحينئذ كان (٧) حجّة وإجماعا ؛ لأنّ العبرة بالرأي دون القول ، وهو نادر.
وعلى الطريق الثاني (٨) في الإجماع : ربّما علم بقول البعض ـ وإن سكت الباقون ـ دخول
__________________
(١) للمزيد راجع : العدّة في أصول الفقه ٢ : ٦٣٩ ، والإحكام في أصول الأحكام للآمدي ١ : ٣٣٤.
(٢) في « ب » : « تأوّل ».
(٣) راجع : الذريعة إلى أصول الشريعة ٢ : ١٦٧ ، وتهذيب الوصول : ٢٠٨ ، وتمهيد القواعد : ٢٥٢ ، القاعدة ٩٣.
(٤) هو مذهب أبي على الجبائي ، كما حكاه السيّد المرتضى في الذريعة إلى أصول الشريعة ٢ : ١٦٧.
(٥) قاله الغزالي في المستصفى : ١٥١. وحكاه الشهيد الثاني في تمهيد القواعد : ٢٥٢ ، القاعدة ٩٣.
(٦ و ٧) أي السكوت.
(٨) الذي مرّ في ص ٣٦٠.